لا أعرف إن كان عظيما أو مفزعا أن تعيش فى حقبة تتبدل فيها معطيات اللعبة لدرجة قد تلقيك صريعا على أبواب الخيالات وتقذفك بعيدا عن طرقات الواقع .. لا أدرى أى الشعورين أقرب .. ولكن ما أعرفه وأدركه جيدا هو أننى سأحمل فى ذاكرتى أحداث هذه الأيام بكل تفاصيلها التى أفهمها حد اليقين وحتى تلك التى لا أفهمها .. سأحملها لأجيال أخرى ستأتى لاحقا وتتساءل عن قوة العرب وصلابة العرب وقيمة العرب ! سأحكيهم عن نقطة صغيرة فى خارطة العروبة تضخمت وتفاقمت أمراضها حتى طالت الحدود والعباد الآمنة تحت سماء العروبة ، وتقطرت أموالها فى قلب أيادى الشر فى كل الربوع ، فأنفقت ملايين الدولارات التى قد يتلجلج جهابذة الإقتصاد فى نطق عددها من فرط الذهول ، وإستقوت بمطامع القاصى والدانى فى السيطرة على شرقنا الباهى ، وروجت لربيع ما ترك خلفه سوى رماد الحلم ودمار الأرض .. وتصورت أن خباياها لن تُكشف من أولى الأمر كبيرهم وصغيرهم سينطلى عليه قناع تلون بدماء أطفال ونساء ورجال وشيوخ الوطن العربى .. ولكن هيهات لمن ظن أن أمره لن يُكشف ، وحذارى لمن يستخف بدهاء العرب .. والصبر وإن كان طويلا فحتما له أخر .. والكبار إذ إتحدوا أوجعوا وأصابوا .. وها هم يوجعون تلك الصغيرة المتقنطرة ، والتى عثت فى الأرض فسادا وسممت العيون بمشاهد مفبركة والآذان بأخبار مُغرضة ، وعبئت موائدها بالمضللين والمتطرفين ، فكانت لهم ملاذا فاخرا وكانوا لها جوهر الوجود ! وخرج الكبار عن صمتهم الذى طال أمده ، فقرروا القطيعة مع تلك الصغيرة التى تقطرت أموالها على موائد الإرهاب .. حتى جفت سمائها وأُغلقت فى وجه مواطنيها الحدود من كل إتجاه ، فكانت الخسارة من أول يوم نادت فيه قطر قائلة " مدد يا إيران .. مدد " وللحقيقة دولة صغيرة مثل قطر لديها من الأموال ما يكفى لإستيراد إحتياجاتها ولو بأضعاف ما إعتادت أن تدفعه سابقا فى رحاب الود العربى ، لن تغلب فى التعايش مع القطيعة الحالية .. ولكن يبقى السؤال .. إلى اى مدى ستصمد قطر أمام هذه الضغوط ؟ .. وهل من الممكن ان تخضع لشروط المصالحة وتقر بذلك بكل ما نُسب إليها من إتهامات ؟ .. وماذا إذا تصاعدت الأمور ؟ نتساءل جميعا ونعرف أننا أمام لعبة خطيرة تتكشف أوراقها ورقة تلو الآخرى .. ونترقب .. وننتظر .. ولكن أتمنى أن أُنهى تلك السطور إذا كُتب لى أن أحكيها لأجيال أخرى ستكبر يوما .. أتمنى أن أحكيهم عن وطن توحد على محاربة الشر ، وأشار بإصبعة إلى صغير يلهو بدُمى الشر ، فخاصمه وقاطعه ، فعاد لرشده .. وإعتزل الشر !