لا أدري بأي وجه ستدافع الحركات 'المباركية' عن الرئيس السابق بعد سيل الفضائح الذي تفجر.. مليارات الجنيهات.. ومئات الملايين من الدولارات، أودعت بأسماء ولدي مبارك 'جمال وعلاء' في بنوك بسويسرا، وأخري تم تداولها في قبرص.. شقة واحدة باثني عشر مليون دولار لزوجة 'جمال' في باريس.. ظل مبارك يكذب علي الشعب المصري لثلاثين عامًا 'حاكمًا'، ثم راح يواصل سياسة الكذب معزولاً.. لم تغير فيه الأيام بعضاً من صفاته.. ولم يبدل الزمان بعضاً من ممارساته.. أتقن دوره الذي أداه ببراعة، ولعب دور الممثل التراجيدي، الذي لا يتواني عن استخدام كل ما لديه من مؤثرات لإقناع الجمهور بصحة ما يرتديه من 'أقنعة'. فصول مليودرامية، كان يلجأ لتجسيدها كلما لاحقته محنة، أو اجتاحته أزمة، فهل ينسي أحد من المصريين هذا 'الخداع المسرحي' الذي مارسه بقدرة هائلة، يوم خرج علي المصريين عشية موقعة 'الجمل'، مخاطبًا مشاعرهم، بكلمات إنشائية، وعبارات عاطفية، أجاد فيها الضغط علي مخارج الكلمات، مستخدمًا كل المؤثرات النفسية، حتي إنه استطاع بأدائه البارع أن يدغدغ مشاعر قطاع ليس بالهين من أبناء الشعب، والذين تأثروا بكلماته، وتعبيراته، واستجدائه لهم أن يتركوه يموت علي أرض بلده، ويدفن في ترابه. يومها، كادت مشاعر التعاطف، تنقلب، وتتحول لكابوس من الغضب ضد 'الثوار' الذين فجروا ثورة 52 يناير، ولكن رعاية الله، المطلع علي كل شئ، أرادت للثورة الطاهرة أن تبلغ مراميها.. وأن تنجز أهدافها.. لقد أعمي الله بصيرة من حوله من مستشاري السوء، وأساطين الفساد، فضلوا الطريق حين استدعوا فلول البلطجية، والعنف، ليهاجموا بأسلحتهم، وجمالهم، شباب الثورة العزل من كل شيء، إلا الإيمان بالله سبحانه، وبنصره الأكيد علي الطغاة المستبدين. نزعت 'موقعة الجمل' كل ذرة تعاطف غرستها كلمات 'مبارك' 'المخادعة' وانتفضت مصر كلها من جديد، مطلقة نداء الثأر للشهداء، وضحايا العدوان البربري، الذي قادته قلوب آثمة، وأياد فاسدة، وعقول صدئة، اعتادت ممارسة العنف والإجرام، فظنت أن طريقها لدحر الثوار ممهد لإنجاز الهدف البغيض. وكأنه لم يستوعب دروس التاريخ فراح 'مبارك' في شهر أبريل الماضي يمارس ألاعيبه المسرحية من جديد، فاختار هذه المرة 'قناة العربية' ليدلي عبرها بخطاب صوتي محشو بكلمات غير مفهومة، وجمل مغلوطة، وعبارات غامضة.. كان محتواها الوحيد يقول إنه يتحدي من يثبت امتلاكه أي أموال أو عقارات هو وأفراد عائلته داخل أو خارج البلاد، باستثناء الحساب الكائن بالبنك الأهلي المصري فرع مصر الجديدة.. وهو الحساب الذي كان ل'الأسبوع' ولرئيس تحريرها.. مصطفي بكري.. فضل كشف مستنداته السرية. لم يصدق المصريون 'مبارك' هذه المرة، ولم يتعاطفوا معه.. فقط محاميه 'الديب' هو من ظل يروج أقوال 'مبارك' ويرددها، بل يستميت في الدفاع عنها.. إلي أن ظهرت في الأفق بعض 'الحركات المباركية' مثل 'آسفين يا ريس' و 'بركان الغضب' وغير ذلك من المسميات التي راحت تنشئ لنفسها صفحات علي مواقع الفيس بوك، بل راحت عناصر أخري تمارس سياسة التصدي لأسر الشهداء، وتحول ساحة أكاديمية الشرطة، حيث يحاكم المخلوع وأعوانه إلي 'مسرح للحرب'.. وامتلك بعضهم جرأة غريبة في الدفاع عن مفاسد مبارك، وتبرير أخطائه، وخطاياه. ومضت الأمور علي هذا المنوال، حتي جاءت الحقيقة الكاملة، والمجردة من أي أهواء، حين أصدر المستشار 'عاصم الجوهري' رئيس جهاز الكسب غير المشروع بيانًا، وعقد مؤتمرًا صحفيًا، كشف فيه التفاصيل الكاملة لبعض جوانب ثروات أولاد مبارك في سويسرا، التي تجاوزت الملياري جنيه، إضافة لتعاملات مالية لمبارك وعائلته تجاوزت ال 92 مليارًا في قبرص. مليارات تتردد، والشعب المصري المغلوب علي أمره يقف مشدوها مما يجري.. لقد حارت العقول.. وتاهت النفوس، وأصبح الجميع غير مصدق لحقيقة، ما يجري.. ويتساءلون عن كيفية سرقة هذه الأموال، وتهريبها إلي خارج البلاد.. وبات حال كل من دهمتهم تلك الفضائح، يرفعون أيديهم إلي كبد السماء، داعين المولي عز وجل أن يثأر لهم ممن نهب خيراتهم، وبدد ثرواتهم، ونشر الفقر والأمراض في ربوع بلادهم.. معربين عن عميق أسفهم لوطنهم الذي طالته يد الغدر والخداع.. ولسان حالهم يقول 'آسفين يا مصر'.