إن الواقع المصري يعج بالكثير من الظواهر الاجتماعية التي تستحق الدراسة عن قرب. الكثير منها يطل علينا بوجهه القبيح فنحاول جاهدين التعامل معها والوقوف على أسباب تفشيها وسبل مواجهتها سواء اجتماعيا أو تشريعياً. حديثنا اليوم عن ظاهرة الغارمات أو سجينات الفقر، التي يكاد يندر وجودها في أماكن أخرى في العالم.. فما هي حكاية ظاهرة الغارمات؟ «الغارمات».. خلف قضبان السجن جلسن لا يملكن إلا البكاء والدعاء، فالجريمة لم تكن سرقة ولم تكن قتل أزواج ولا أي جريمة مخلة بالشرف، وإنما كان الفقر جريمتهن، أمهات لا يملكن قوت صغارهن، بعدما لحقتهن نكبة الطلاق وتقاعس الزوج عن الالتزام بالنفقات، في ظل ظروف قاسية ملحة تطالبهن بالمزيد من المال لتجهيز البنات أو سداد الإيجارات المتأخرة أو إقامة مشروع يعينهن على الحياة، اقترضن فغلبهن الدين ولم يجدن أي أيادٍ بيضاء تساعدهن على الوفاء بها، فكانت النتيجة الحتمية الامتثال لأمر القضاء والجلوس خلف القضبان، أمام منظمات أبت المصالحة وفضلت معاقبتهن على جريمة الفقر. ولهذه الظاهرة أبعاد اجتماعية كثيرة، فالأعراف الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تفاقم هذه المشكلة. يجب أن نعترف أن العرف أحيانا يضع المواطن البسيط تحت ضغط نفسي ومادي يدفعه للاستدانة بشكل يفوق قدرته على السداد. فالأم تسعى لتجهيز ابنتها بشكل قد يكون أحياناً مبالغا فيه مقارنة باحتياجاتها الحقيقية لأن التقاليد )لا الشرع( فرضت تلك المزايدات الواهية التي تفترس الكثير من الغارمات. ولا نستطيع أن نغفل أيضاً أن لجشع التجار دورا أساسيا في تفاقم الأزمة فالكثير من محترفي التقسيط يبالغون في الأسعار المفروضة استغلالا لحاجة الناس وغياب البديل بالاضافة لاستخدام التجار إيصالات الأمانة كوسيلة لإثبات الدين هو أمر كما ذكرناه شديد الخطورة. ومن هنا أستطيع القول إن مشكلة الغارمات أزمة حقيقية من واقع المجتمع المصري يجب علينا مواجهتها بحسم. إنه لشيءٌ رائع أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني والجيش وأهل مصر الطيبون بسداد ديون الغارمات، لكن الأجمل لو عملنا على توعية وتثقيف المواطن بالابتعاد عن الأعراف المجحفة، وشرعنا في سن قوانين تكفل الاقتراض العادل لتنظيم العلاقة بين التاجر والمقترض وإلغاء إيصالات الأمانة وإيجاد شيء بديل، لحفظ حقوق التجار. أيضاً يجب سن قانون الاقتراض العادل أسوة بما هو معمول به في كافة دول العالم المتقدم. فمثلاً، قانون الاقتراض العادل الأمريكي المعروف ب«التشريع زد» مثلاً ينظم كافة إجراءات الاستدانة ويجعل الإفصاح شرطاً أساسياً في عملية الاستدانة، ويعاقب بصرامة كل المخالفين لهذا القانون.. فى النهايه اقول انه من الأفضل دائما أن نجتث المشكلة من جذورها لا أن نتعامل مع تبعاتها. الباحثة فى علم الاجتماع