الفقر وسيف القانون حولا سيدات كثيرات إلى سجينات خلف القضبان ليس بجريمة سرقة أو قتل أو جريمة مخلة بالشرف. ولكن كان الفقر جريمتهن، مطلقات وأرامل يعيشن فى ظروف سئية وقاسية فمنهن من تريد تجهيز بناتها ومنهن من تقترض من أجل عمل مشروع ريفى يساعدها فى المعيشة والقدرة على مواصلة الحياة، أو بتسديد دين على زوجها المريض الذى لا يعمل، ولكن تراكمت عليهن القروض ولم يستطعن أن يسددن دينهن وما باليد حيلة، فأصبحن خلف القضبان ينتظرن من يمد لهن يد الرحمة والمساعدة من المنظمات التى تدعو لذلك. «قصص وحكايات» تحكى )فاطمة. م( إحدى الغارمات، أرملة وتعول أربعة أولاد فى مراحل تعليمية مختلفة لم ترتكب أية جريمة ولكنها لحاجتها الماسة إلى الأموال، اقترضت ألفى جنيه من إحدى الجمعيات، لتجهيز إحدى بناتها البكر بعد خطوبتها منذ سنتين، ولشدة الضيق والفقر لم تستطع السداد فى المواعيد المحددة، فزوجها كان يعمل أُجريًا على باب الله وبعد وفاته لم يترك لهم معاشًا أو تعويشة يستندون إليها بعد مماته، وبعد أن تراكمت عليها الديون قامت الجمعية بتحويل إيصالات الأمانة للنيابة وهنا تحولت فاطمة من زوجة طفحت الكوتة من أجل تربية أولادها وتجهيز بناتها إلى مجرمة خلف القضبان. وتقول )ك. ع( أحد الأمهات التى رفضت ذكر اسمها إنها قامت بضمان ابنها الوحيد عندما قام بعمل سلفة أو ما يسمى قرضًا من إحدى الجمعيات الأهلية لكى يبدأ مشروعًا يكون به نفسه ويبدأ حياته ولكن بعد أن أخذ القرض تأخر فى السداد، وقامت الجمعية بتقديم الشيكات إلى النيابة ولكنه هرب قبل القبض عليه وهنا تم حبس الأم الضامنة لابنها بعد أن تخلى عنها وتركها وهرب. وبدأت )عاشة. ح.إ( الحديث قائلة: «الدنيا غليت وكل حاجة وصلت الضعف وأنا سيدة مطلقة وعندى 3 أطفال كل واحد فيهم له طلبات واحتياجات وبعد أن طلقنى زوجى لم أجد من يصرف على أنا وأولادى الصغار، قررت الاقتراض من إحدى الجمعيات التى تساعد المشروعات المتناهية الصغر وتقدمت بطلب وتم إقراضى ألْفَىْ جنيه لبدء المشروع والذى كان عبارة عن كشك أقمته فى منزلى، أبيع فيه وأصرف على أطفالى وفعلا كنت أسدد دفعات الأقساط منتظمة ولكن بعد غلاء الأسعار والحاجة اللى كانت بجينه بقيت باتنين جنيه أصبح الحال واقف ولم استطع السداد وتراكمت علي الأقساط واحد تلو الآخر، وقد أنذرتنى الجمعية ولكن ما باليد حيلة وفوجئت بحبسى سنة مع الشغل والنفاذ والجريمة الفقر الذى قصم ظهرى وحولنى إلى مجرمة خلف قضبان السجون». وتضيف )حنان م. ح( اقترضت 3 آلاف جنيه لتجهيز نفسى بعد أن تم خطبتى لمدة 3 سنوات وبدأت الناس «تأكل وشِّى» خاصة ولأنى أعيش فى قرية فتأخير الخطوبة يجعل كلام الناس يزيد، فقمت باقتراض قرض من جمعية لتكملة باقى الجهاز، ولكن تأخرت عن السداد لخمسة أقساط الأمر الذى جعل الجمعية تنذرنى بأنها ستقدم ايصالات الأمانة التى قمت بالإمضاء عليها على بياض إلى النيابة وتقوم بحبسى ولكن الحمد لله تم تسديد الديوان. وهناك حالة الطفلة المريضة التى ضاق بها الحال على والديها بعد أن رأوا بنتهم تموت أمام أعينهم ولأننا نعيش فى مجتمع «اللى ملوش ظهر يموت» كادت تموت بعد أن أمر الطبيب المعالج بأنها يجب أن تجرى عملية فى أسرع الوقت وإلا تدهورت الحالة أكثر من ذلك، ذل الأبوان لهذا وذاك ليجمعوا ثمن العملية الذى تعدى ال10 آلاف جنيه، ولكن ما باليد حيلة فدلهما أحد الأشخاص على إحدى الجمعيات الأهلية التى تقرضهم ما يحتاجون ويسددونه فيما بعد وهنا وقعت الكارثة فهذه الجمعية تجعل المقترض يمضى على شيك على بياض لتضمن حقها فى السداد ورغم أن هذه القروض لا يوجد فيها حبس لأنها منح من الدولة لمعدومى الدخل إلا أنه لتأخرهم فى السداد تقدمت الجمعية بالشيكات إلى النيابة العامة وتم حبسهم لحين سداد القرض. ويقول محمد الحمبولى مدير مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان بالمنيا، بعد أن تدشينه حملة لسداد ديون الغارمات، بالتعاون مع المتبرعين وفاعلى الخير أننا استطاعنا تسديد الديون ل240 غارمة من كل مراكز محافظة المنيا. وأضاف الحمبولى أنه تم اختيار الحالات التى سوف يتم السداد لها، بعد عمل أبحاث اجتماعية للغارمات توضح مدى الحاجة الماسة لهم وعدم قدرتهم على سداد تلك الديون ومعرفة أسباب وصول الغارمات لدرجة صدور أحكام نهائية بالحبس، وخاصة بعد أن وصل عدد المتقدمين لأعداد كبيرة جدًا. وأشار الحمبولى إلى أن الجمعيات الأهلية ليس لها الحق فى حبس أى من المقترضين وذلك لأنها جهات مانحة تسهل منح مقدمة من الدولة لا يجوز الحبس فيها، ولكن تقوم هذه الجمعيات بإجبار الحاصلين على قروض بالتوقيع على ايصالات أمانة على بياض لاستخدامهم ضدهم وقت تأخرهم عن السداد. وذكر مدير مركز الحريات والحصانات أن الأحكام تتراوح ما بين سنة و8 سنوات، وهذه لمن حصلوا على قروض من جمعيات أهلية والمسماة ب«القروض متناهية الصغر»، وهى تبدأ من ألف إلى ثلاثة آلاف جنيه، ولكن هذه الجمعيات تحتسب فوائد كبيرة تتعدى ال 30% سنويًا. واستطرد الحمبولى قائلًا: خلال رصدنا للحالات لاحظنا حالات صادر ضدها أحكام بالحبس لمدد متفاوتة، وكانت أسوأ الحالات لأحد الشاب يبلغ من العمر 21 عامًا فقط، اقترض 3 آلاف جنيه من جمعية لفتح مشروع أجهزة كهربائية ليصرف منه على والدته وإخوته بعد وفاة والده ولكن لتعثره فى السداد حكم عليه بالحبس «عام ونصف العام» ومجموع الأحكام عليه 36 سنة لعدم سداده 3 آلاف جنيه. وطالب الحمبولى الدولة بالتشديد على الجمعيات الأهلية التى تقدم بإقراض المواطنين معدومى الدخل بالقروض المسماة بمتناهية الصغر ومراقبتها لمعرفة الاستفادة التى تتم للحاصلين على تلك القروض وكذلك الفوائد الكبيرة التى تحصل عليها تلك الجمعيات منهم. كما طالب من المواطنين بعدم التوقيع على ورق على بياض، وكذلك منع تلك الجمعيات من إجبار الحاصلين على قروض من التوقيع على إيصالات على بياض وأى جمعية تقوم بعمل ذلك تُحل وتحال للنيابة لانها مخالفة للقانون، وكما أطالب بإصدار تشريع يمنع تلك الجمعيات من حبس المواطنين الحاصلين على تلك القروض ومحاسبة من يقوم بإعطاء ربا فاحش وهى فوائد عالية تصل إلى 75%. ............................. نقلا عن "الأسبوع" الورقى