سأذكر فى هذه الحلقة بعض القطوف والمقتطفات النادرة غير المعروفة عن هيكل وعبد الناصر. كان هيكل أكثر من صحفى وأكثر من سياسى بل وأكثر من صديق لعبد الناصر، والحكايات كثيرة جدا تؤكد أنه كان شريكا فى صنع السياسة، وكمثال على ذلك ماحدث أثناء زيارة عبد الناصر لموسكو لطلب صواريخ أرض جو كسلاح رادع للطيران الإسرائيلى الذى كان يضرب فى العمق، وافق )بريجنيف( على تزويد الجيش المصرى بالصواريخ، واشترط عدم الإعلان عن الصفقة، والتفت بريجنيف نحو هيكل وقال له عبر المترجم: ما هو رأى البروبوجندست؟ )ومعناها بالروسية الصحفى(، هل يمكن إخفاء المعلومات عن العملية عن وكالات الأنباء والصحف الغربية؟ فأجاب (هيكل): (لا).. من المتعذر إبقاء هذه الصفقة سرية والأقمار الأمريكية ستلتقط صور الصواريخ المنقولة فوق ظهر البواخر، أو حتى بعد تثبيتها فى الأرض. كان هذا الجواب كافيا لإثارة اعتراض بريجنيف ولحرصه على عدم إثارة الأمريكيين، ولم يغضب عبد الناصر من هيكل أو يتهمه بأنه أفسد الصفقة، ولكنه اقترح أن يختار بريجنيف شخصية روسية تجتمع مع هيكل للاتفاق على صيغة مقبولة تحمى صفقة الصواريخ من حملات التشويش التى ستشنها إسرائيل وأمريكا، ووقع اختيار القيادة السوفيتية على )أندروبوف( رئيس المخابرات الروسية )KGB كى. جى. بى(، واجتمع مع هيكل وتوصلا إلى حل هو الإعلان عن الصفقة بأقل من حجمها الحقيقى، وهكذا كان مكان هيكل فى قلب الأحداث البالغة السرية والمتعلقة بالأمن القومى. ومن ضمن هذه القطوف النادرة.. كان هيكل يلعب الدور السياسى مع رفيقه الزعيم الراحل عبد الناصر، فكان فى كثير من الأحيان يلعب أكثر وأكبر من دور نائب رئيس الجمهورية، بل والوزراء، ورئيس مجلس الوزراء، فمثلا هو الذى قدم ياسر عرفات إلى الزعيم الخالد بعد مؤامرة 1967، ونجح هيكل فى إقناع ناصر بتقديم الدعم اللازم لمنظمة فتح، فقال عبد الناصر لعرفات وقتها: «أريد رصاصة فلسطينية واحدة كل يوم يدوى صوتها فى الأرض المحتلة». اقترح هيكل أيضًا على عبد الناصر فى أغسطس 1968، أن يصطحب معه ياسر عرفات إلى موسكو لتقديمه إلى القيادة السوفيتية، وبفضل هذا المقترح الرائع من قبل شخصية رائعة، حصل عرفات على عدد من الأسلحة السوفيتية منها مدافع مضادة للطائرات، فى نفس الزيارة. وهنا أيضا قطوف نادرة وطلب نادر قد يصل إلى أنه الطلب الأوحد فى تاريخ الإعلام السياسى من قبل تيتو لناصر، ففى عدد صحيفة «السفير» الذى تحدثت عنه فى الحلقة السابقة رقم 41 بعنوان: )هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة-41( كتب فؤاد مطر مقالا تحت عنوان )خواطر من الذاكرة والوجدان(، تحدث فيه عن )الرئيس اليوغسلافى تيتو(، الذى طلب من صديقه عبد الناصر أن يساعده حتى يكون له صحفى قوى لتيتو مثل هيكل بالنسبة لعبدالناصر، وكان الزعيم فى حيرة من أمره بخصوص السؤال والجواب، فقام بإحالة الأمر إلى هيكل. ومن ضمن القطوف الهيكلية الغريبة والنادرة وغير المعروفة، أنه بعد رحيل )الزعيم جمال عبد الناصر(، أراد )القذافى( أن يكون )الأسطورة هيكل( برفقته فى ترحاله وتجواله، وكذلك )الرئيس الراحل صدام حسين(، تمنى أن يكون )هيكل( معه مثلما كان مع عبد الناصر، ليس ذلك وفقط.. بل قام صدام حسين باستضافة هيكل، وأرسل إليه طائرة خاصة إلى القاهرة، ولكن إرادة هيكل كانت فوق كل إرادة، فأراد الصحفى الأسطورة، الجورنالجى هيكل، أن يكون بعيدًا إيمانا منه بأن التجارب التاريخية لا تتكرر. أيضا قطفة من مقتطفات لها قيمتها وقامتها وقوتها ودلالتها وبصمتها، عندما روى فؤاد مطر أنه كان فى القاهرة مراسلا لصحيفة )النهار اللبنانية(، طوال عشر سنوات، ونشر فى أحد الأيام رسالة تركت أثرا سلبيا، فأغضبت )على صبرى(، وفى ذلك الوقت تحديدا كان )على صبري(، يخوض صراعا عنيفا ضد هيكل فى الاتحاد الإشتراكى، وقد قيل وقتها لعلى صبرى: إن )فؤاد مطر(، يتردد كثيرا على )كمال الملاخ(، فى الأهرام، ويستقى منه معلومات رسائله الصحفية، فقرر )على صبرى(، اعتقال )كمال الملاخ(، ليغيظ به هيكل، حتى يكون هذا الموقف محرجًا ومهينًا وتحذيرًا له، وعندما علم هيكل بنوايا على صبرى قال: )إذا اعتقل الملاخ فسوف أكسر قلمى(، ووصلت هذه الرسالة إلى عبد الناصر فأوقف على الفور قرار على صبرى. ومازال هناك الكثير والكثير من المواقف المضيئة، والمقتطفات البديعة، والقطوف الرائعة، والخطوات البارعة، والقصص النادرة، للصحفى الأسطورة النادر الأستاذ محمد حسنين هيكل. مستشار بالسلك الدبلوماسى الأوروبى Diplomatic Counselor Sameh Al-Mashad