قالت هدى جمال عبد الناصر فى مقالها الذي نشر في عام 2003 بصحيفة السفير اللبنانية، عندما اعتزل الأسطورة هيكل، بعنوان (الوفى لجمال عبد الناصر)، قالت فيه: وعيت عليه منذ كنت طفلة صغيرة قريبا من والدي، تربطه به علاقة من نوع خاص، عمل وصداقة فى الوقت ذاته، فكثيرا ما كنت أدخل على والدى فى حجرة نومه أو فى مكتبه فأفهم أن هيكل على خط التليفون، وقد كانت حواراتهما ممتعة، فهو وإن كان مصدرا أمينا للأخبار السياسية والاجتماعية إلا أن تعليقاته اللماحة واللاذعة أحيانا كانت مثار أحاديث كثيرة فى أسرتنا، ولقد تعودنا على مكالمات الأستاذ هيكل التليفونية فى أوقات غير عادية لينقل إلى والدى خبرا مهما، أو يستطلع رأيه فى مسألة عاجلة، فكم من مرة توقف عرض الفيلم فى منزلنا لأن ورقة دخلت إلى والدى تنبهه بأن الأستاذ هيكل يريد الاتصال به فورا، وكم من مرة تركنا والدى فى حديقة منزلنا لكى يرد على مكالماته الطويلة. عندما كنا نسأله متى سيكتب مذكراته يقول: هيكل سوف يكتبها.. ووصفت الفاضلة بنت الفاضل هدى جمال عبد الناصر هذه العلاقة فتقول: كان الأستاذ هيكل يتحاور مع والدى فى موضوعات شتى، وأحيانا يدعم أحاديثه بأبيات من الشعر، وأتذكر أننى دخلت يوما على والدى فى حجرة نومه فوجدته على الخط مع الأستاذ هيكل، وكان يضحك عاليا، ثم علمت أنه كان يتلو عليه أبياتا من شعر كامل الشناوى دونها والدى أمامى تعليقا على تعيينات على مستويات عليا فى السلطة تقول: دعمتها بالواهنين وصنتها بالضائعين لكى تطيل بقاءها. إن كان هذا للبقاء فيا ترى ما كنت تفعل لو أردت فناءها قالت: أما زيارات الأستاذ هيكل إلى والدى فقد كانت زيارات عمل بالدرجة الأولى فى مكتبه أو فى حجرة صالون منزلنا، وكنا نعرف أنه موجود عندما يمتلئ مدخل المنزل برائحة السيجار الذى كان يدخنه باستمرار، وكانت مناقشات والدى مع الأستاذ هيكل حول هذه المقالات أو حول الموضوعات التى تثيرها مثار جذب لى، وخاصة تلك التى كانت تنتقد النظام أو تتناول ظواهر سلبية فى المجتمع المصرى آنذاك. كانت مفارقة أو مصادفة غريبة لعدة مقالات عن هيكل في عدد واحد من جريدة السفير، كتاب هذه المقالات هم: (هدى جمال عبد الناصر - الدكتور حازم الببلاوي – فؤاد مطر)، قال الببلاوي في مقاله عن هيكل بعنوان (العلاقات الملتبسة بالسلطة والناصرية): إن الأستاذ هيكل وقت عبد الناصر كان صحفيا، ولكنه كان أكثر من ذلك فقد كان جزءا من السلطة، أو قل جزءا من (عقل السلطة)، وكان المفهوم أن الإعلام جزء من أدوات الدولة للحكم، وقد نجح الأستاذ هيكل فى خلق وضع ملتبس ومبهم حول علاقته بالسلطة، فقد احتفظ دائما بقدر من المسافة والاستقلال عن السلطة، مما سمح له فى بعض الأحيان بانتقادها كما فعل عند مناقشة زوار الفجر، ولكنه حرص فى نفس الوقت على إعطاء الانطباع بأنه المعبر الرسمى عن آراء عبدالناصر، وهو انطباع أكدته الأحداث، حيث كانت مقالات هيكل (بصراحة) إما معلنة عن التوجهات القادمة، أو مفسرة للسياسات القائمة. وقال الببلاوي عن هيكل: يرجع نجاح هيكل إلى أنه لم يقتصر على نقل أفكار الزعيم بل إنه كان يضعها فى إطار من التحليل السياسى المستند إلى الوقائع والأحداث التاريخية، وهكذا أضاف إلى الكتابات الصحفية السياسية قدرا من العقلانية والموضوعية، ولم يقتصر مثل الكثيرين على إطلاق الشعارات الطنَّانة والإثارة العاطفية، فهو كاتب يخدم قضية ونظاما، وهو الذى كرَّس تعبير النكسة فى الأذهان، والأكيد أن هيكل لم يكن من (دراويش الناصرية) وإن كان يمكن أن يكون من قديسيها أو آبائها المؤسسين، وكان من الصعب فى أحيان كثيرة معرفة أين الأصل وأين الصورة بين كتابات هيكل وخطب عبدالناصر؟ إذا كان من الصعب تحديد دور هيكل فى بلورة أفكار عبد الناصر فإن طبيعة العلاقة الشخصية بينهما لا تقل غرابة، فهى علاقة استمرت لفترة طويلة، حيث شغل مكانا متميزا لدى عبد الناصر، فهو أثيره وصديقه ومستشاره، وإن كان ذلك لم يمنع من تعرضه أحيانا لمضايقات أجهزة المخابرات، بسبب هذه العلاقة المتميزة والطويلة بين الصحفى والحاكم، فعبد الناصر كانت له علاقات كثيرة قليل منها إستمر حتى النهاية، قد تساقط الواحد منها بعد الآخر فى رحلة الثورة، ولم يكد ينجو من مسلسل هذا التساقط سوى أنور السادات، وحسين الشافعى، ومحمد حسنين هيكل. مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي