«محمد حسني مبارك» أراد بل تمنى أن يمد جسور التواصل مع «الأستاذ الأسطورة»، عندما تولى حكم مصر، حيث كان يظن «مبارك» أن «هيكل» أدرى منه ببواطن الأمور داخل وخارج مصر، لتواجده فى محيط صنع القرار على مدار سنوات كثيرة، ولكن رد هيكل كان مختلفا ومميزا ومنطقيا وعقلانيا وذكيا، لقد اعتدنا على فراسة هيكل ودهائه وحنكته، فاختار هيكل أن يكون بعيدًا، وأن يتفرغ لكتاباته فقط، جدير بالذكر.. أن كتابات هيكل كانت تزعج مبارك ورموز نظامه. ألقى هيكل محاضرته الشهيرة بالجامعة الأمريكية عام 2002، والتي كانت بمثابة رصاصة في قلب مبارك ونظامه، حيث قال في المحاضرة: «إن السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلابد أن نقول: «كفاية»، فى إشارة من هيكل إلى ضرورة رحيل مبارك عن الحكم. وأما عن المعزول محمد مرسي العياط، الذي لم ولن يرقى أو يرتقي إلى درجة رئيس، فقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، طرح الأستاذ محمد حسنين هيكل في حوار مع صحيفة «الأهرام» عدة تساؤلات، منها أنه في حالة فوز محمد مرسي بمنصب الرئيس، كيف يتصرف إزاء وزارة الداخلية، وهناك ثأر كبير بين الإخوان والداخلية؟ وكيف يتصرف مرسي مع وزارة الدفاع، وللإخوان خطة للنفاذ إلى الجيش، باعتباره وسيلة السيطرة الكبرى؟ وإذا وقع ذلك فأين نظرية الأمن المصري؟ مع العلم بأن قواعد الأمن القومي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ عربية، وليست إسلامية. وضع هيكل مجموعة من التحديات أمام محمد مرسي، فقال: ماذا يمكن أن يحدث بين مرسي وبين الأزهر، وبين الكنيسة، ومع المحكمة الدستورية العليا؟ ماذا يمكن أن يفعل مرسي مع مؤسسة التعليم، ومؤسسة الإعلام، ومؤسسة الجيش الموصولة بالأمن القومي، ومؤسسة الأمن الموصولة بأمن المواطنة، ومؤسسة الثقافة الموصولة بالعالم والعصر؟ وكان القرار والكلمة الأخيرة في هذه المخاطر والمصاعب والمعجزات: «هناك إذن معضلة». وختم هيكل تحدياته وتساؤلاته فقال: «إنني واحد من الناس الذين طلبوا ومازالوا يطلبون فرصة حكم للتيار الديني، يجرب فيها مسئوليات الدولة، لكن التصرفات حتى الآن تدعو للقلق، والقضية أن الإخوان إذا كسبوا فهي معضلة تواجه البلد، وإذا خسروا فهي معضلة أخرى تواجه البلد أيضا. عقب فوز محمد مرسي، بمنصب رئاسة الجمهورية، قال «الأستاذ» فى حواره مع صحيفة «صنداي تايمز البريطانية»: إن مرسي رجل طيب على المستوى الشخصي، لكننى لست متيقنًا من مدى معرفته بالعالم العربي، والسياسة المصرية». أكد هيكل عن عقيدة ويقين فى حواره الصحفي الطويل: أن النجاح لن يكون حليفًا للإخوان، ومع ذلك يؤمن بضرورة منح مرسي والحركة الإسلامية التي يمثلها الفرصة، قائلا: «لقد ظلوا في مسرح الأحداث ردحا طويلا من الزمن، وهم يشكلون تيارا يظن البعض أن فيه الخلاص». جدير بالذكر أن هيكل قد كشف أن محمد مرسي زاره في مزرعته ببرقاش مع سعد الكتاتني القيادي الإخواني ورئيس مجلس الشعب المنحل، واستمر اللقاء الذي عقد قبل الانتخابات الرئاسية لنحو ثلاث ساعات. وفي حوار آخر لهيكل مع صحيفة الأهرام، ذكر الأستاذ وقائع حول الإخوان، فقام محمود غزلان، المتحدث باسم الجماعة بالرد عليه قائلا إنها أساءت إليهم، وتعلقت بضلوعهم في اغتيال النقراشي باشا، ومحاولتهم اغتيال جمال عبد الناصر في الأسكندرية، واستخدامهم العنف أحيانًا فى الدفاع عن قضاياهم، واستعمالهم في معركة الخلافة بين الطامعين فيها من القادة العرب، وعلاقة الإخوان بحركة طالبان وتنظيم القاعدة. فقال غزلان «الضبع» ردا على هيكل «الأسد»: «لا أدري هل هو أجاد القول أم أنه يهدف إلى إحياء فكرة الفزاعة من الإخوان والتحريض عليهم فى الداخل والخارج»، وبعد هذا الرد الضعيف الفقير الذي لا يرقى إلى المستوى المطلوب، استمر صمت «الأستاذ» حتى وفاته.