لا نغالي.. إن قلنا، إن مجتمعنا المصري، يقف برمته الآن عند حافة الخطر.. أوضاع موحشة، تتربص بنا، وعلامات مدهشة تحيطنا، سلوكيات غريبة، تتقاذفنا من كل اتجاه، ورغبة تبدو عارمة، تسعي لتفتيت الوطن، وتمزيق أوصاله. بوابات من العنف، تنفتح علي مصاريعها ليندفع عبرها، لهيب الفتنة، الذي يتمدد أواره الآن، في كل أنحاء البلاد، مخلفًا حصادًا مريعًا، من القتل، والسفك، والخوف، والترويع.. دلالات تتكاثر دوائرها، وتتمدد تداعياتها، تغرس أنيابها في جسد الوطن، في مخطط يبدو بالغ التنظيم للإمساك بلحمة المجتمع، والسعي نحو تمزيقها، إربًا، إربًا. لهيب العنف يتدرج، ناشرًا بقع الخراب فوق خارطة مصر، يتنقل بسرعة فائقة، من شمال الوطن، حتي جنوبه، يرسل إشاراته النارية، من 'جرجا' في أقصي جنوب الصعيد، إلي 'بيلا' في الدلتا، ومن 'العريش' حيث حدودنا الملتهبة، إلي قلب القاهرة التي تكاثرت فيها صنوف البلطجة. نستيقظ، ونغفو، علي وقع اشتباكات هنا وهناك.. معارك طاحنة تدور رحاها بين الأفراد والعائلات، جماعات، وعصابات منظمة، ترتكب جرائمها في وضح النهار.. قتلي وجرحي، وضحايا أبرياء، يسقطون في أتون العنف الذي تمدد، استشتري.. وبات سلوكًا، ونهجًا، يغرس أنيابه الفتاكة فوق منحنيات الوطن، وتضاريسه، ممحورًا أهدافه في نشر الخراب فوق كل الأرجاء. من إمبابة، لشبرا، وبولاق، لأحياء الجيزة، وحلوان، لكل أنحاء الوطن، بات صوت الرصاص هو الأعلي، وزخاته النارية تضرب قلب المجتمع، وتنشر الذعر بين أفراده، تدفع بالقلق صوب مراحل غير مسبوقة، وترسم ملامح مستقبل تحيطه الشكوك، وتجتاحه العواصف القاتلة. وقد يبدو من المنطقي التساؤل عن أسباب هذا الانتشار المريع للعنف في البلاد، خاصة أن وتيرته تزايدت بقوة بعد الأشهر الأولي للثورة.. ولاشك أن هذا التساؤل، يرتبط بالواقع المأساوي الذي شهدته مصر في الأشهر الأخيرة، وهو واقع تداخلت فيه جملة من العوامل التي أسهمت في تفاقمه. فمما لاشك فيه أن جهاز الشرطة، لايزال يعاني مشكلات جمة علي صعيد إعادة بنائه مرة أخري، وبعد الضربة القاصمة التي تعرض لها في مرحلة الثورة، بل إنه كلما حاول جهاز الشرطة لملمة أطرافه المبعثرة، تداعت الأحداث الطارئة، إن في ميدان التحرير، أو غيره، لتخلخل مسيرة إعادة البناء، وتعيده لنقطة الصفر، كما أن المحاولات المتكررة لزرع الفتنة في المجتمع، وإحداث صدام متعمد بين الشعب والجيش، كلها محاولات تستهدف إبقاء الارتباك علي حاله في الوطن، مما يسهل علي المخططين والمتربصين إنجاز أهدافهم في تفتيت وحدة الوطن، عبر هذه الضربات الموجعة التي يتلقاها الجسد المصري، وهو لم يتعاف بعد من الآثار التي أحاطت به بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير. وغني عن البيان، أن ما يشهده الوطن، لا ينفصل أبدًا عن مخططات الاستهداف الخارجية، وعمليات التمويل لمنظمات وقوي سياسية، ارتضت لنفسها أن تكون أداة طيعة في أيدي المتربصين بأمن مصر، وهي في المجمل مخططات ترتبط بأجندة استعمارية، صهيونية، تري فيما يحدث في مصر بعد الثورة، انقلابًا علي السياسات والمفاهيم التي سادت طيلة العقود الماضية. وعلي ذلك، فإن أبناء الوطن جميعهم، وفي القلب منهم شباب الثورة الأحرار، مطالبون بالعمل من أجل إخراج الوطن من محنة الانفلات الأمني، والانهيار الأخلاقي في القيم، والدفع نحو إعادة تشكيل اللجان الشعبية في كل أرجاء مصر، وبما يسهم في مساندة الأمن في التصدي للبلطجية، ومن روعوا الوطن، ساعين لعودة عقارب الساعة إلي الوراء، وإبقاء الثورة في دائرة الحصار وهي أمور تخدم أهداف أعداء الخارج، وفلول الداخل، سواء بسواء.