هل اعتدنا على القبح..؟ سؤال كثيرًا ما يَرِدُ على الذهن خاصة فى الأيام الأخيرة التى اقتحم فيها القبح عنوةً شتى مناحى حياتنا.. فى السلوكيات وفى الألفاظ والأخلاق والآداب العامة وحتى فى المظهر العام. فى مشاهد حياتنا اليومية أصبحنا لا نفاجأ أو نندهش كما كنا من قبل، من سلوكيات الناس فى الشارع، تلك السلوكيات التى انحرفت بعيدًا عما اعتدنا عليه منذ سنوات بعيدة، وأيام كنا نموذجًا يُضرب به المثل فى الشهامة والمروءة والأخلاق، الانحراف فى السلوك الذى جرف فى طريقه كل القيم الجميلة، حوَّلنا إلى شعب عبثى وفوضوى يرى القبح ويتساهل فى أمره ويتعايش معه. الحال فى الشارع أصبح مدعاة للأسى على أيام خلت كنا فيها نزدان بأخلاقنا ونظافتنا ورقينا، اليوم ودعنا كل شىء جميل واعتدنا ثقافة القبح، الألفاظ النابية أصبحت تسمعها بسبب ومن غير سبب بين قائدى السيارات، والتمادى فى الفحش أصبح مسلكًا فى حال الاختلاف، لا يهم إن كان من اختلفت معه سيدة أو فتاة أو حتى رجلًا عجوزًا، المهم هو فرد العضلات واستعراض مهارات اللسان فى تصويب قذائفه. سائقو التوك توك والميكروباص الذين غزوا بسلوكهم المتدنى كل الأماكن، أصبحوا لا يتوانون فى التعامل مع الراكب بكل صلافة وجلافة واستهتار، صوت الأغانى الهابطة التى تصدع الآذان أصبحت مقررًا على الركاب، والسرعة الجنونية على الطريق الدائرى، أصبحت لزوم «الإنجاز».. ليس المهم ان تتسبب هذه السرعة فى حوادث يلقى على أثرها العشرات من الأبرياء حتفهم يوميًا، والويل كل الويل لمن انتقد سلوك السائق من الركاب، فلن يجد إلا كل غلظة وتهديد «اللى مش عاجبه يركب تاكسى يا حضرات». أما التوك توك فهو حكاية أخرى زادت شوارعنا قبحًا وفوضى لا مثيل لها، فسائقوه يشكلون ما يشبه الرابطة، وإذا ما تعرض أحد منهم لمشكلة تجد العشرات منهم وقد جاءوا فى دقائق معدودة، هنا يحضرنى مشهد سيدة كانت تقود سيارتها ومعها أطفالها واصطدمت بالتوك توك ولم تكن التلفيات كبيرة، فى لحظات تداعى العشرات منهم وأحاطوا بالسيدة التى طالبوها بدفع آلاف الجنيهات وإلا قاموا بتهشيم سيارتها، ولولا تدخل بعض المارة الذين اتصلوا بذويها لإنقاذ الموقف، لحدث ما لا تحمد عقباه.. والغريب أن كل ذلك يحدث دون أى تحرك من رجال المرور الذين اختفوا تمامًا من شوارعنا هذه الأيام. القمامة التى أصبحت تحاصرنا فى كل مكان فى مشاهد تثير الغثيان، وكأنها مشاهد معتادة لا تحرك ساكنًا لا فى المواطنين ولا المسئولين، وكأننا كُتب علينا أن تتحول شوارعنا إلى صندوق نفايات كبير، أيضًا فإن التخريب المتعمد لكل ما هو جميل أصبح سلوكًا وعادة لا يستنكره أحد ما دام يحقق المصلحة الشخصية، فمن يقوم بهدم سور مكتمل البناء حول مدينة سكنية أو بين طريقين حتى يتمكن من العبور بدلًا من أن يكلف نفسه عناء السير لبضعة أمتار، هو شخص يعانى خللًا فى التكوين وفى التعليم لأنه إذا كان يدرك خطورة ما يفعله، لما أقدم عليه بدم بارد دون أدنى وعى بفكرة الحفاظ على الممتلكات العامة. إعادة روح الجمال إلى النفوس تحتاج جهدًا مضاعفًا، فالشعوب المتحضرة تبنى ولا تهدم.. والإحساس بالجمال ليس نبتًا شيطانيًا ولكنه عنوان لكل ثقافة ووعى.