أكتب اليوم في واحد من الموضوعات الغائبة عنا، في وقت نحن أحوج ما نكون لها، وإحقاقا للحق فإن العيب كل العيب على الحكومة التي تصر على الجلوس في مقاعد المتفرجين وتترك الملعب دون أن يكون هناك حكم يستخدم أي من الكروت الصفراء أو الحمراء حسبما تكون المخالفة. أكتب اليوم عن حرية الصحافة ومقتضيات الأمن القومى، خاصة أننا ما زلنا في حرب على الإرهاب، ونعايش سيناريوهات خارجية تنفذ بأيدى يفترض أنها مصرية!! واقع الأمر أن الإعلام المصرى بشكل عام في حال يرثى له، حيث اللاموضوعية، واللا مسئولية، بل على العكس تماما وتحديدا برامج ال«توك شو» التي أصبحت بمثابة دعوة صريحة لرفض كل ما هو قائم، وتحول مقدمو البرامج لمنظرين وفلاسفة، بل ومحتكرى المعرفة!! هنا لابد أن أذكر حقيقة هامة لا تقبل الجدل أو النقاش، فقد جرت العادة أن تميل السلطات في كل الدنيا للتوسع في التضييق على الإعلام بصفة عامة في أوقات الأزمات والحروب - على العكس تماما - تمسك الإعلام والإعلاميون وفى المقدمة الصحفيون بأعلى سقف ممكن من الحريات، يحدث لأول مرة على أرض مصر، وكانت الأزمة بين الصحفيين والحكومة على المادة )33( من مشروع قانون «مكافحة الإرهاب» خير شاهد على هذا الذى أقرره وأشهد به هنا . ما دمنا نتحدث عن حرية الإعلام والصحافة، لابد أن يكون واضحا أنه لا توجد «حرية مطلقة»، وكل الحريات لها سقف، الاستثناء «الوحيد» يحدث هنا في مصر المحروسة !! لدرجة أننى دائما أسأل الله تعالى، أن يحمى مصر من المصريين!! لماذا أكتب هذا الآن ؟ أكتب لأننى تابعت عن قرب كل ما واكب حادث مقتل الشاب الإيطالى، وترسيم الحدود المائية بين مصر والمملكة العربية السعودية . إحقاقا للحق الإعلام المصرى هو المسئول مسئولية مباشرة عما آل إليه الوضع الشائك في قضية مقتل الشاب الإيطالى؛ لأن الإعلام هو من وجه أصابع الاتهام لجهاز الشرطة، لدرجة أن مذيعة بأحد القنوات الفضائية، قالت صراحة: «أنا مضطرة إنى أعترف بأن أمن الدولة هي اللى قتلت ريجينى»!! من هي لتقول هذا وتتهم جهاز أمن الدولة، وهى لا تملك أي أدلة تحت يدها، إلا أنها للأسف تملك برنامج «توك شو» في قناة فضائية!! ومن المؤكد أن «برامج التوك شو» أقوى من كل الأدلة في هذا الزمن الذى نحياه . ما فعلته المذيعة يكاد يكون سمة برامج ال «توك شو» عامة ودون استثناء!! لدرجة تصيب المواطن العادى بحالة من الغثيان، وتولد لديه طاقة كراهية للوطن!! إذا قارنا بين ما يحدث هنا وما يحدث في دولة الإمارات العربية المتحدة، لوجدنا أن المقارنة ليست في صالحنا، فنحن «إعلام الإثارة »، وهناك «إعلام وطنى» وبالتالي ساهم الإعلام في تعقيد الموقف المصرى من مقتل الشاب الإيطالى !! لا لشىء إلا لأن المنافسة بين الإعلاميين في الأغلب والأعم ما تكون فيمن هو «الأكثر إثارة» بغض النظر عن الخسائر التي قد تلحق بالوطن . ما حدث في قضية مقتل ريجينى، حدث مع الإعلان عن «ترسيم الحدود المائية بين مصر والمملكة العربية السعودية»، حيث انتقلت تفاهات مواقع التواصل الاجتماعى لشاشات القنوات الفضائية وصفحات الصحف الخاصة، وهى الغالبة!! مواقع التواصل الاجتماعى بكل ما تحمله من زخم ومعلومات لا أساس لها من الصحة - وأغلبها كتابات ممولة أصبحت المادة الرئيسة للإعلام المصرى، وبدلا من تقييم آثار زيارة العاهل السعودى، نجح الإعلام في تقسيم المجتمع لفريقين «مؤيد ومعارض»، بعيدا عن الموضوعية ووصل الأمر لاتهامات تصل الى حد الخيانة، والتطاول على القيادة السياسية!! الإعلام أصبح في رأيى يمثل آفة المحروسة اليوم، ويحتاج وقفة عاجلة وحاسمة، وقد يكون «ميثاق الشرف» الذى سمعنا عنه كثيرا، هو الحل. الإعلام المصرى ينقل اليوم عن التواصل الاجتماعى، كما أشرت وأوضحت، وأصبح العامل الرئيسى في تحديد هوية المواطن، لذا زادت حدة الانفصام في المجتمع !! خاصة وأن برامج ال«توك شو» تسهم في زيادة حدة احتقان الشارع، وتخوض في موضوعات تمس مفهوم الأمن القومى دون أدنى مراعاة، وما حدث في تناول واقعتى «الشاب الإيطالى» و«ترسيم الحدود المائية مع المملكة العربية السعودية» خير شاهد على هذا. هنا يلزم أن أشير إلى أنه أتيح لى أن أطلع على دراسات علمية رصينة في أكثر من بلد على مستوى العالم تناولت العلاقة بين حرية الإعلام والصحافة تحديدا، ومقتضيات الأمن القومى في زمن الحرب وأثق أن عرضها على الجمهور العام وطرفى الأزمة سيجعل لغة الحوار والنقاش بينهما تودع حالة الضجيج والصخب وحوار الطرشان الى الحوار البناء، الذى يدفع كلا الطرفين للبحث عن التفاهم وإعلاء المصلحة العليا للوطن، الذى يحتاج الى الحفاظ على حرية الإعلام وفقا لمعايير خاصة، كما يحتاج لتأمين البلاد من التأثير السلبى لنشر المعلومات غير الدقيقة. بقيت كلمة أوجهها لبعض من الأكاديميين، أرجوكم كلماتكم تؤثر في الرأي العام، فدققوا قبل أن تبدوا رأيكم، ووازنوا بين ما تكتبون والمصلحة العليا للوطن الذى هو أحوج ما يكون لدعمكم. إننى من منطلق وطنى خالص أطالب الإعلام المصرى بوجه عام والصحافة بوجه خاص وأصحاب المعرفة والرأى أن يتوخوا الدقة ويدققوا فيما يقولون ويكتبون ، وأن يبتعدوا عن كل ما يمس مفهوم الأمن القومى، لأننا في مرحلة مخاض، ندعو الله أن نتجاوزها بأقل الخسائر !! ولذلك فالأمر يقتضى أن نراعى ضمائرنا. اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد وللحديث بقية..