كثفت فرنسا في الشهور الأخيرة مساعيها الرامية لعقد مؤتمر دولي لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين استنادا إلى حل الدولتين، في الوقت الذي تمر فيه عملية التسوية بحالة موت سريري منذ فشل جولة المفاوضات التي أجريت بين الطرفين بوساطة أمريكية خلال الفترة من 30 يوليو 2013 وحتى 29 أبريل 2014. وزار إسرائيل والأراضي الفلسطينية المبعوث الفرنسي الخاص لشئون المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط بيير فيمون في 13 مارس الجاري بهدف بلورة ظروف متفق عليها لعقد المؤتمر من اجل تحريك المفاوضات العالقة. وفي نهاية الأسبوع الماضي ، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن نظيره الفرنسي جان مارك ايرولت سوف يزور الأراضي الفلسطينية في أبريل المقبل لتقييم ردود الأفعال العربية والدولية حول المبادرة الفرنسية. وكانت فرنسا أطلقت مبادرة لإحياء العملية السلمية في شهر مايو من العام الماضي رحبت بها السلطة الفلسطينية ، فيما رفضتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ونصت المبادرة آنذاك على إجراء مفاوضات لا تزيد مدتها عن 18 شهرا للوصول إلى حل الدولتين، وجعل القدس عاصمة مشتركة بين الدولتين ، وحل عادل ومتزن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين سيكون مستندا إلى آلية تعويض. وفي نهاية يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس أن بلاده ستتبنى مبادرة لعقد مؤتمر دولي لاستئناف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، محذرا من أنه في حال عرقلة بدء المفاوضات فإنه من الممكن لفرنسا الاعتراف رسميا بدولة فلسطين. غير أن وزير الخارجية الفرنسي الجديد جان مارك ايرولت تراجع عما أعلنه فابيوس ، وقال في تصريحات صحفية إن باريس لن تعترف تلقائيا بالدولة الفلسطينية في حال فشل مبادرتها من أجل إعادة إطلاق عملية السلام. ويقول الفلسطينيون إنه لا يوجد مبادرة فرنسية، بل هي مجرد أفكار لعقد مؤتمر دولي للسلام. مشددين على أن العودة للمفاوضات تتطلب وقف الاستيطان بشكل كامل، وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال وتحقيق خيار الدولتين على حدود 1967 وفق قرارات الشرعية الدولية. وقال رئيس دائرة شئون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات للصحفيين عقب اجتماعه مع المبعوث الفرنسي بيير فيمون في رام الله: لا يوجد من يستفيد من الأفكار الفرنسية بعقد مؤتمر دولي للسلام ينهي الاحتلال ويعمل على إقامة دولتين متجاورتين على حدود 1967، ويوقف الإعدامات الميدانية مثل الشعب الفلسطيني، ولا أحد يخسر من فشل هذه الأفكار الفرنسية وتوقف عملية السلام اكثر من شعب فلسطين. وأضاف عريقات أن القيادة الفلسطينية أبدت استعدادها التام للتعامل مع الأفكار الفرنسية، وهي مبادرة تتطلب أن يكون هناك شركاء لانجاحها، مشددا على أن الفلسطينيين على استعداد تام للعمل والتعاون مع المجتمع الدولي لإنجاح الأفكار وصولا لإنهاء الاحتلال لأراضي دولة فلسطين. وأشار الى ان الفلسطينيين منفتحون على الافكار الفرنسية التي تمر الان في المرحلة الأولى، والتي تقوم على النقاشات مع فرنسا بعد طرح الأفكار، كما أجرى الرئيس أبو مازن اتصالات مع عدة دول عربية ومع الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا من أجل دعم الأفكار الفرنسية وتحويلها لمبادرة تفضي لإنهاء الاحتلال. وتؤكد الفصائل الفلسطينية أن الحكومة الإسرائيلية التي يقودها زعيم حزب الليكود نتنياهو هي حكومة مستوطنين ويمين متطرف تسعى وبشكل ممنهج لتدمير أية فرصة لتحقيق حل الدولتين من خلال إفشالها لجميع أشكال المفاوضات، سواء عبر الشروط الإسرائيلية المسبقة، أو بواسطة الإجراءات الميدانية التي تقوض فرصة وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة. وأشارت إلى أن محاولات نتنياهو المستمرة في البحث عن مكان ودور لإسرائيل تحت مظلة الانشغال العالمي في محاربة الإرهاب تهدف بالأساس إلى إخفاء حقيقة احتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين وإطالة أمده وإفشال الضغوط والجهود الدولية الحالية الساعية إلى إطلاق آليات عمل جديدة تفضي إلى مفاوضات جادة ومثمرة وبسقف زمني محدود وواضح من أجل إنهاء الاحتلال. وقال فايز أبو عيطة المتحدث باسم حركة فتح لوكالة أنباء الشرق الأوسط: حكومة نتنياهو التي تمثل التطرف والاستيطان غير جادة في الوصول إلى تسوية سلمية على أسس قرارات الشرعية الدولية ولا تمثل شريكا لتحقيق السلام.. ليس لدينا أمل في الوصول إلى تسوية من خلال المفاوضات مع هذه الحكومة . وأضاف: نتنياهو يصر على قطع الطريق على أية جهود سياسية تبذل لإعادة تحريك المفاوضات على أسس ومرجعيات واضحة . وتابع :أقصر الطرق وأفضلها لضمان الاستقرار والأمن يتمثل بإنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. وكان نتنياهو قال في كلمة وجهها عبر دائرة تلفزيونية من إسرائيل إلى اجتماع لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) المؤيدة لإسرائيل الذي عقد بواشنطن في الثاني والعشرين من مارس الجاري إنه مستعد لأن يبدأ على الفور ودون أي شروط مسبقة مفاوضات بشأن حل الدولتين لإنهاء الصراع ، لكنه إدعى أن الرئيس الفلسطيني لا يساند هذه الفكرة. وأضاف إن السلام لن يتحقق بقرارات من مجلس الأمن بل بالتفاوض المباشر بين الطرفين..لا يزال حل الدولتين الصيغة الأفضل لتحقيق السلام وفيه يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية التي سيسفر عنها الاتفاق بإسرائيل دولة يهودية. وسبق تصريحات نتنياهو اعلان نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي تسيبي حوطوبيلي أن عملية التفاوض مع الفلسطينيين ليست على جدول أعمال دولة إسرائيل في هذه المرحلة. ورحب الناطق باسم فتح بالمبادرة الفرنسية قائلا: الخطوة الفرنسية متقدمة لكنها بحاجة إلى دعم دولي من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي حتى تنجح وتؤتي ثمارها وتفرض على إسرائيل الالتزام باستحقاقات العملية السلمية. وأعرب عن أمله في أن تستمر فرنسا في موقفها الداعم للقضية الفلسطينية وبوعدها الاعتراف بدولة فلسطين في حال تنصلت إسرائيل ورفضت الاستجابة للجهود الرامية الى عقد المؤتمر الدولي. وتابع: نريد دورا أمريكيا واضحا يضغط على إسرائيل من أجل إلزامها باستحقاقات عملية التسوية وفي مقدمتها الاقرار بمرجعيات عملية السلام وهي قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار الاعتراف بدولة فلسطين والوقف الفوري للاستيطان. وكانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي جرت برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لمدة تسعة أشهر توقفت في شهر إبريل 2014 بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين على أساس حدود 1967، والإفراج عن دفعة من المعتقلين الفلسطينيين القدامى. ويقلل سياسيون فلسطينيون من جدية الحديث عن مؤتمر دولي للسلام لإحياء العملية السياسية المتعثرة . معتبرين أن الوضع الإقليمي والدولي لا يسمح بانعقاد مثل هذا المؤتمر خصوصا مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية نهاية العام. وقال معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إن القيادة الفلسطينية تقف أمام ثلاثة خيارات الأول الانتظار، ربما لسنتين قادمتين، إلى أن تستعيد الإدارة الأمريكية، كاحتمال، إرادتها للعمل على استئناف العملية السياسية ، والثاني الرهان على المبادرة الفرنسية ، والأخير اعتماد برنامج واستراتيجية جديدين تكون الانتفاضة الشبابية الحالية ضد الاحتلال وقرارات المجلس المركزي (لمنظمة التحرير) مرتكزاتهما الرئيسية. واعتبر حمادة في مقال نشره الموقع الإلكتروني للجبهة الديمقراطية (يسار) أن مشروع المبادرة الفرنسية غامض. مضيفا أن باريس تتفاوض بشأنه مع واشنطن، ووفقا للمنطق البسيط، فإن المفاوضات لن تكون إلا لصالح الطرف الأقوى أي واشنطن، وبالتالي، وعلى فرض أن المبادرة الفرنسية ستولد يوما، فإنها ستأخذ في ملامحها التأثيرات والضغوطات الأمريكية. وتابع:لا ضمانات في المبادرة الفرنسية وما هي إلا لعبة رهانات، والرهانات لا تكون على مصير الشعوب والأوطان والحقوق الوطنية المشروعة. واعتبر أن مفاوضات لسنتين جديدتين دون ضوابط دولية لن تقود إلى الحل الذي يرضي الحقوق الفلسطينية بقدر ما سيشكل غطاء سياسيا لاستكمال المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وفترة إضافية لتعميق أزمة المشروع الفلسطيني وازدياد التمزق الفلسطيني الداخلي. وبحسب حمادة، يبقى الخيار الوحيد، هو خيار البرنامج والاستراتيجية الجديدين والبديلين، وعناصرهما في اليد قرارات الإجماع الوطني في المجلس المركزي وانتفاضة شبابية أكدت بدخولها شهرها السادس أنها ليست نزوة سياسية عابرة، بل هي مرحلة نضالية تستند إلى أساس متين وحالة وطنية ناهضة. وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قرر في 5 مارس 2015 تحميل إسرائيل مسئولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينالمحتلة كسلطة احتلال وفقا للقانون الدولي. كما قرر المجلس وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين. وأكد أن أي قرار جديد في مجلس الأمن يجب ان يضمن تجديد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وبما يضمن تحديد سقف زمني لانهاء الاحتلال وتمكين دولة فلسطين من ممارسة سيادتها على ارضها المحتلة عام 1967 بما فيها العاصمة القدس، وحل قضية اللاجئين وفقا للقرار 194. على الجانب الإسرائيلي ، يحمل نتنياهو الطرف الفلسطيني المسؤولية عن إفشال فرص المفاوضات، ويزعم بأنه لا يريد دولة إلى جانب إسرائيل وإنما مكانها، متهما السلطة الفلسطينية ب مواصلة التحريض على القتل، معتبرا أن الطريق الوحيد للتوصل إلى سلام هي دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية. وبحسب محللين، لا يبدي نتنياهو حماسة تجاه المبادرة الفرنسية، وفي الأصل يرفضها منذ أن طرحت في العام 2015 لأنه لا يريد راع لملف المفاوضات سوى الإدارة الأمريكية المنحازة في الأساس لإسرائيل.