في ذكرى تحرير طابا، تتوارد التساؤلات )ساخنة، قلقة، متوترة(: ماذا يحدث في سيناء؟ 33 عامًا على تحريرها ألم تكن كافية لعلاج الأزمات؟ من يزعزع الأمن في أرض الفيروز، ولصالح من يتم هذا؟ من يساند التنظيمات المتشددة والإرهابية؟ من أين يأتى السلاح؟.. لماذا طالت المواجهة العسكرية الأمنية مع الإرهاب؟.. ما النتائج المرتقبة للعمليات التى تتم على الأرض منذ شهور؟ من حق الرأى العام، الغيور على وطنه أن يتساءل، لكن فى الوقت نفسه، عليه أن يطمئن، وللاطمئنان أسباب: لم يكن سهلا أو ميسورا استرجاع سيناء مجددا.. هكذا أكد العالم بعد احتلالها عام 1967.. عيون المشككين فى إرادة المصريين كانت معلقة بخط بارليف، بينما حساباتهم كانت مرتبطة بتسليح العدو الإسرائيلي. وحدهم، المصريون )الذين تخصصوا فى تحويل المستحيل إلى فرص متاحة(، حققوا الصعب بأسهل الوسائل فى أكتوبر 1973.. في 25 أبريل عام 82 خرجت إسرائيل من سيناء، وأبقت على منطقة طابا، لكن المصريين الذين برعوا فى القتال، واصلوا النجاح نفسه وهم يرفعون غصن الزيتون فى المفاوضات. قبلها بسنوات، تحديدا عام 1979 وقَّع الرئيس السادات معاهدة السلام، بعدما خرج منتصرا من حرب هى الأكبر مع إسرائيل منذ نشأتها.. نصت المعاهدة على إنشاء لجنة مشتركة مصرية- إسرائيلية لتنفيذ الاتفاق.. تمسكت مصر بكل شبر من أرضها.. وبعد ماراثون قانونى دولي ارتفع علم مصر مجددا على آخر نقطة حدودية.. على منطقة طابا فى 19 مارس 1989، إيذانا بعودة السيادة الكاملة لمصر على سيناء. قد تكون مشاعر القلق معقولة من الرأى العام، لكن ليست مقبولة داخل المؤسسات الوطنية.. مصر المنتصرة )والمستهدفة(، تدرك جيدا أن السلام تحميه القوة.. هكذا تعمل القوات المسلحة فى سيناء، وعلى طول الاتجاهات والحدود الإستراتيجية.. وقعت مصر معاهدة السلام؛ لكن جيشها لم يلق السلاح.. حتى يناير 2012 كان الجيش المصرى يحتل الترتيب العاشر عالميا.. تراجع فى ظل حكم جماعة الإخوان، غير أنه يعود مجددا لمكانته الطبيعية بخطة هيكلة شاملة، يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وقيادات عسكرية وطنية، تعرف جيدا قيمة مصر ومكانتها. مكانةُ الجيش المصرى لم تأتِ من فراغ.. هى محصلة استراتيجية مستمرة )تسليحا، وتدريبا، وتطويرا(.. لم تتوقف المناورات العسكرية والمشروعات التكتيكية والتعبوية.. جرى تأسيس جيش طائر، ممثل فى «قوة الانتشار السريع» المحمولة جوا.. تصنف هذه القوة فى الترتيب الرابع عالميا بعد قوات مماثلة: أمريكية.. أوربية.. روسية. تدرك مصر حجم التحديات الداخلية والإقليمية.. تؤكد دائما احترامها العالم ومصالحَ أطرافه، وتطالب المُعامَلة بالمثل.. جاهزية القوات المسلحة واستعدادها الدائم )حربا، وسلما(، رسالة واضحة بأن من يهدد مصالح مصر سيدفع الثمن، وهو ما يحدث حاليا فى المواجهة الشرسة مع الإرهاب، ومموليه، وداعميه، ومن يقدمون له الدعم والإسناد. فى المعادلة نفسها، يتحمل أهالى سيناء مسئولياتهم كاملة بعد سنوات القلق.. يواجهون محاولات الاختراق المستمرة بذكرى وطنية فاصلة، يأبى تاريخهم المسموع والمكتوب أن يتجاوزها.. فعلا، كان يوما مشهودا.. إنه 31 أكتوبر عام 1968.. آنذاك، دعت إسرائيل وسائل إعلام دولية وسفراء إلي مؤتمر عالمي وسط سيناء.. تحديدا، فى منطقة الحسنة.. أعلنت تل أبيب أن مشايخ سيناء بصدد إعلان موقفهم من مشروع تدويل سيناء وانفصالها عن مصر.. كان المؤتمر خطوة فاصلة فى الصراع.. تظاهرت قبائل سيناء بالتقارب مع إسرائيل.. فوضوا الشيخ سالم الهرش للحديث باسمهم.. فجأة، قال للعالم )بكل ثقة(: «نرفض التدويل.. سيناء مصرية وستبقى مصرية ولا نرضى بديلا عن مصر.. إسرائيل قوة احتلال.. نحن البدو لا نملك فى سيناء شبرا واحداً يمكننا التفريط فيه.. من يريد الحديث حول سيناء عليه أن يتحدث مع زعيم مصر جمال عبد الناصر». هى مجرد صفحة تجيب عن تساؤل مطروح: أين أهل سيناء مما يحدث؟.. هم، يواجهون الإرهاب.. يتضررون منه.. تسمع من قيادات عسكرية سابقة وحالية، أنهم أكثر وطنية من سكان يعيشون فى القاهرة.. هم خط دفاع أول عن مصر فى مواجهة العدو.. سواء كان العدو معلوما، أو يتخفى خلف تنظيمات ووجهات مختلفة. نعم، كحال الحياة، مر مشروع تنمية سيناء بمحطات مد وجذر.. خصصت الدولة 8 مليارات جنيه لتنفيذ مشروعات في سيناء خلال الفترة من عام 1982 حتى 2012.. الآن، تسابق الدولة الزمن لتجديد شباب سيناء وإقليم القناة بمئات المشاريع.. القوات المسلحة، أعلنتها منذ 30 يونيو 2013 مشروع قناة السويس الجديدة )أحد 1350 مشروعًا تنمويًّا، فى مجالات الطرق والخدمات الصحية والتعليمية والإسكان(، الأولوية فيه لأبناء سيناء والقناة.. هو اعتذار متأخر عن سنوات التهميش والتهجير والفقر.. إنها مصر التى تواجه الإرهاب بالتنمية مع السلاح. الآن، وفوق كل سيناء يرفرف علم مصر، رمز السيادة.. يختلط العرق بالدم، معبرا عن وحدة الشعب خلف الجنود والقادة.. تتبدى ملحمة التحرير، وبطولات تفوق الأساطير.