المولد النبوي الشريف، والكريسماس، ورأس السنة الميلادية، ثم أخيراً عيد الميلاد المجيد، كلها احتفالات عشناها على مدار الأسابيع الماضية ولا تزال تلملم ظلال بهجتها العالقة بنفوسنا مع وعد بالعودة بعد عام.. وبعيدا عن الرموز والطقوس فهي مناسبات تشترك جميعاً في )الميلاد( كحَدَث، وكفكرة أيضاً.. فميلاد الأشياء سيبقى هو الحدث السعيد عند البشر، ولأنه دائماً يحمل الجديد إلى حياتهم فقد اعتادوا أن يستقبلوه بالفرح والبُشرى، وأن يترقبوا الخير الآتي معه رغم غموض مستقبل المولود!! وتتنوع عادات الشعوب في الاحتفاء بالمواليد الجُدد، فالحبل السُري في اليابان يضعونه في صندوق صغير لتحتفظ به الأم اعتقاداً منهم أن ذلك سيضمن توثيق علاقتها بابنها مدى العُمر، وفي جامايكا يدفنونه في الأرض، وبجواره يزرعون شجرة ليعتني بها الطفل ويتحمل مسئوليتها عندما يكبر، وفي كثير من البلدان كما هو الحال عندنا يقدمون الهدايا للمولود، ويضعون بعض المال في يديه ليكون الرزق رفيقاً له في حياته.. أما بِكْر المواليد فَلَهُ مكانة خاصة لدى الأهل، وفي شريعة «موسى» وصية تُسمى «البكور» وبموجبها فإن فاتح كل رَحِم سواءً كان حيواناً أو طيراً أو أياً من ثمار الأرض يُعطى كقربان لله.. كذلك فبِكر الأبناء يهبه أبواه ليكون خادماً مُكرَّساً للرب، وبناءً عليه فأول ربح أو أجر أو علاوة من أي عمل جديد تُعَد في حُكم البكور حيث ينبغي التصدُق بها. وكان المصريون القدماء يحتفلون بميلاد السنة الجديدة بتقليد من شأنه أن ينسى الناس خلافاتهم مع الآخرين، فيتسابق المتخاصمون في التزاور مصطحِبين معهم كعكة العيد ليقتسموها سوياً كي يعم السلام وتحل معه بركة الإله.. كما كانوا يحرصون على الذهاب إلى المقابر في تلك المناسبة حاملين الفطائر لتوزيعها استدراراً لرحمة الآلهة بالموتى من ذويهم، ثم يقضون النهار في أكناف الطبيعة على ضفاف النيل ووسط الحقول، وبعدها يشاركون بالموسيقى والرقص والغناء في كرنفالات اقتبست بعض الشعوب منها ما يلائمها ولا تزال تمارسها حتى الآن في ليلة رأس السنة. ومن رَحِم كل صباح يتمنى الإنسان لو يُولد من جديد أملاً في حاضر يظنه الأفضل، أو ربما يأساً من واقع يراه الأقبح.. وهو الحلم المشروع، بل المشفوع بحقائق لا ينازعها الشك طالما كان لليوم فجر يمزق مشيمة العتمة لينطلق النور الوليد من أحشائها موقظاً بصُراخه كل حي.. لكن الحلم لن يتحقق من تلقاء ذاته حتى وإن بُعِث «الصِديق» من فردوسه ليفسره.. فالأحلام لا تقبل أن تحط من سماها على أرضنا قبل أن تعود الروح إلى جسد الإرادة السقيم، فمصر لم تنج قديماً من كابوس السنوات العجاف إلا بعد أن قرر «فرعون»، وخطط «يوسف»، وامتثل الشعب بأكمله وضحَّى.. صار الكل واحداً بالكد والعمل وليس بمجرد شعارات ومزايدات وأناشيد في حب الوطن، يومئذٍ وُلِدَ المصريون من جديد عندما آمنوا أن الموت لا يطال من أراد الحياة.. فاقتحموا باب الإرادة ومضوا إلى عالم الخلود. [email protected]