مثلي مثل كل من يهتم بقضية المواطنة في هذا البلد شعرت وأنا أتابع جريمة إحراق كنيستي مارمينا والعذراء بإمبابة أنني أسمع رواية مكررة إلي حد الإملال، مكررة في أحداثها وأسبابها ووجوه المعلقين عليها، مكررة حتي في الإجراءات التي تعقبها والتي تفضي عادة إلي شيء، فقط تختلف الوجوه: فيطل علينا وجه عبير بعد وجه كاميليا، كما يختلف أيضا ديكور الحدث فينصب في إمبابة بعد شارع رمسيس.. المقدمات المتشابهة لا تفضي إلا إلي نتائج متشابهة، وباستثناء ثمانية عشر يوما هي كل عمر الثورة ووحدة الهلال مع الصليب، فإن شيئا لم يتغير في علاقة مسلمي هذه الأيام بمسيحييها.. بل وإن صحف الحكومة والمعارضة لو خلت من أخبار محاكمة الرئيس السابق وأعوانه لظن القارئ أنه يقرأ عن مصر قبل 25 يناير. لكن قبل أن نفتح صفحة عبير فخري علينا أن نتأمل صفحة كاميليا شحاتة، هذه المرأة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، فمن أجل كاميليا تشكلت حركة أطلقت علي نفسها اسم 'ائتلاف دعم المسلمين الجدد' وشارك في لجنتها التأسيسية إثنا عشر عضوا علي رأسهم الشيخ حافظ سلامة، وتولي د. حسام أبو البخاري مهمة التحدث الإعلامي باسمها.. أهداف الائتلاف هي: 'وأد الفتنة.. بفك أسر المسلمين الجدد المعتقلين لدي الكنيسة'.. وعلي رأسهم الأخوات: وفاء قسطنطين، وماري عبدالله، وكاميليا شحاتة، ود. ماريان مكرم، ود. تريزا إبراهيم، والأخت عبير فخري، والأخ إيليا نبيل'!!.. كما يهدف الائتلاف إلي 'محاسبة كل من تورط في خطف أو اعتقال أو تعذيب أي مسلم حديث الإسلام'، فضلا عن 'توفير الحماية القانونية والحقوقية لكل من يريد اعتناق الإسلام'.. وبإسم كاميليا شحاتة فتح حساب علي الإنترنت عنوانه كالتالي [email protected]، وبغرض توثيق كل ما له صلة بها تم إطلاق موقعين إلكترونيين، الأول هو موقع 'حكاية كاميليا' المشرف عليه د. هشام كمال عضو اللجنة التأسيسية للائتلاف، والثاني هو موقع 'كاميليا شحاتة دوت كوم' ومنسقه هو د. حازم أبوالبخاري. ومن أجل تحرير كاميليا قصدت أول مظاهرة سلفية ميدان التحرير بعد الثورة وتحديدا في مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ثم توالت المظاهرات والاحتجاجات انتهاء بالتهديد بإقتحام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، علما بأن تاريخ التظاهر من أجل تحرير كاميليا يعود للعام الماضي خصوصا مع رفض البابا ظهورها علي الملأ وإخراس الألسنة. نحن إذن إزاء موقف جد لا هزل فيه، وضع فيه أمن الوطن واستقراره علي المحك في مرحلة هي أصعب ما تكون، وأريقت فيه 'حقوق المسلمين القدامي المؤكدين' في سلامة أرواحهم وممتلكاتهم وفي نظافة شوارعهم من تلال القمامة والأوبئة وفي ممارسة حياتهم الطبيعية وانتظامهم في العمل، أريقت تلك الحقوق لأن الأولوية لحق 'مسلمين جدد' محتملين وقد لا يكون لهم وجود فعلا، فالمهم هي 'اليافطة' أو خانة الديانة ولقب الأخت أو الأخ، وعدا ذلك لا شيء يهم.. ولأن الأمر علي هذه الدرجة من الخطورة لا ينبغي لنا أبدا أن نقلب صفحة كاميليا ونتابع باقي صفحات الفتنة، لا يجوز أن تطل علينا كاميليا لتؤكد أنها باقية علي دينها فنتجاهل ظهورها ونحسبه كأن لم يكن وندير بوصلتنا في اتجاه عبير، فقائمة 'المسلمين الجدد' ممتدة وهذا يعني امتداد معاناة مصر إلي ما لانهاية ومصر لم تعد تحتمل. ولذلك فنحن بحاجة إلي فتح تحقيق مع الشيخ أبي يحيي مفتاح فاضل الذي يعرف نفسه بأنه 'الشاهد الرئيس في قضية الأخت كاميليا شحاتة زاخر' والذي يتمتع بعضوية اللجنة التأسيسية لائتلاف المسلمين الجدد، فلقد صرح الرجل مرارا وتكرارا بأنه التقي كاميليا وامتحنها في دينها لمدة أربع ساعات كاملة ثم صحبها لإشهار إسلامها، وآخر ما صرح به في هذا الشأن منشور في جريدة 'الشروق' بتاريخ 1/5/2011 نقلا عن مقابلة له مع قناة دريم.. الشفافية والمحاسبة مبدآن لم يعد مقبولا أن يستثني منهما أحد، لذلك فالمطلوب هو مثول الشيخ أبي يحيي للتحقيق، ومعه كل من روج للفتنة ونفخ في نارها، وكتب علي موقع حكاية كاميليا 'مقاطعة حتي النصر لكل نصاري مصر'.. نصر؟! لطفك يارب. هل مصر مستهدفة؟ لا شك عندي في ذلك، وبالتأكيد ستدس لنا إسرائيل بسبب تحولات سياستنا الخارجية، ومحتمل جدا أن تتواطأ ضد ثورتنا بعض دول الجوار حتي لا تسري إليها شرارتنا وكي لا يعود لمصر دورها الإقليمي، ووارد بالطبع أن يتواطأ ضدنا من تبقي من رجال النظام السابق.. هذا كله صحيح، لكن ماذا عنا نحن المصريين؟ سبحان الله لا نكف عن الحديث عن مؤمرات تحاك ضدنا ولا نتردد في الوقوع في شرك المتآمرين لنعود ونشير لهم بأصابع الاتهام.. ثم ماذا عن مظاهرات بعض الجماعات السلفية وتهديداتها العلنية وعلي رؤوس الأشهاد؟.. الخارج والنظام يمسكان بطرف الخيط لكن الطرف الآخر يمسكه البعض منا. عندما شرعت في تقييم خسائر ما بعد الثورة علي صعيد الوحدة الوطنية كانت تلك أسوأها: هدم كنيسة صول وإحراق كنيستي مارمينا والعذراء بامبابة، وقطع أذن مسيحي في قنا لإيوائه لعوبا، وأحداث أبي قرقاص التي تحولت من شجار إلي فتنة، وأحداث حي الزبالين التي جاءت علي خلفية صول، ومحاصرة جمعية الرحمة للأقباط الأرثوذوكس في قرية بمركز سمالوط لمنع تحويل الجمعية إلي كنيسة، والاحتجاج علي تعيين قبطي محافظا لقنا لأسباب بعضها طائفي، وأخيرا جاءت كارثة إمبابة، فإلي أين نحن ماضون؟.. كان يحمي مسيحيونا مسلمينا في التحرير فإذا ببعضهم يطلب من الخارج حمايته منا، وكان قداس الأحد وصلاة الجمعة يجمعان الشيوخ والقساوسة في الثورة فإذا بآباء الكنائس يقيمون الصلوات لرفع ظلمنا عنهم، وكانت قذائف المولوتوف تنهال علي رءوس المسيحيين والمسلمين معا فإذا بهم يتحاربون بها ويقتل بعضهم بعضا.. الميزة الوحيدة لأحداث إمبابة وأمثالها أنها تكشف بوضوح عن حال مصر في ظل دولة دينية، فمسيحيو مصر لن يتركوها لأن مصر لا يحتكرها أحد. روت لي شابة ليبية عائدة لتوها من بنغازي حكايات يشيب لها الولدان عن تهريب السلاح المنهوب من معسكرات الجيش الليبي إلي مصر خصوصا في الفترة حتي 20 مارس الماضي حينما كان تسيب الحدود تاما، وقدمت لي قائمة بأسعار قطع السلاح من الآلي '9000 جنيه' لطلقة الصوت '3 جنيه'.. هذا فقط عن منفذ السلوم مع ليبيا، فماذا عن منفذ رفح مع قطاع غزة وعديد المنافذ مع السودان؟ ثم بعد ذلك نتعجب من أين يأتي السلاح.. يأتي لأنه لا وجود للأمن في مصر، ولأن الطلب عليه يتزايد لأغراض البلطجة وحماية النفس وإشعال الفتنة وإطفاء نارها.. الرصاص لم يعد يطلق من جانب واحد، هذا هو درس امبابة. وكي لا نركض من الآن فصاعدا وراء اسم جديد من أسماء 'المسلمين الجدد' لا بد من محاسبة المسئولين عن ملف كاميليا علي كل المعلومات المغلوطة والشحن الديني علي مدار شهور.. وبالتوازي مع ذلك لا بد اليوم لا غدا من إثارة الأسئلة الواجبة في ملف مسيحييي مصر: ما هي ولايه المجتمع علي عقيدة الفرد وعلاقاته الشخصية والعائلية؟ وما هي حقوق المواطن المصري في الدولة المدنية وليس المسيحي في الدولة الدينية؟ وما هي الخطوات المطلوبة من أجل إصلاح تعليمي وإعلامي قبل الإصلاح السياسي يدمج المواطنة في صلب الوعي الجمعي لهذه الأمة ويسقط للأبد ثنائية ' نحن وهم'؟، فإن لم نحاسب علي ما فات وإن لم نسأل عن القادم فلا نلومن بعدها إلا أنفسنا.