طومان باي هو آخر سلاطين المماليك في مصر وقد استلم الحكم بعد مقتل السلطان قنصوه الغوري بمرج دابق بسوريا على أيدي العثمانيين عام 1516م، وعندما خرج لملاقاة العثمانيين في الريدانية بمشارف القاهرة كانت الخيانة سببا في هزيمته وقيام السلطان سليم الأول بشنقه عام 1517م على باب زويلة بعد استبساله في الدفاع عن مصر لتموت معه الخلافة وتظل مصر والبلدان العربية خاضعة للعثمانيين لقرون طويلة, قرون ذاقوا خلالها الجور والاستبداد والفقر ليسلمهم العثمانيون بعدها إلى استعمار آخر ينهب مواردهم وثرواتهم لسنوات دفعوا خلالها ثمنا باهظا لنيل استقلالهم . لقد كان للمماليك الفضل في التصدي لأكبر قوتين عسكريتين في زمانهم هما المغول والصليبيين فحموا بذلك العالم الإسلامي، وتمكن السلطان قنصوه الغوري بالسيطرة على البحر الأحمر ومطاردة البرتغاليين عند سواحل اليمن وسلطنة عمان لمنع سيطرتهم على طرق التجارة، أما خلال العهد العثماني الهمجي فقد تعرضت فيه بلداننا للسلب والنهب، واختفت من القاهرة والبلدان العربية صناعها وحرفيوها وعلماؤها عندما تم نقلهم إلى اسطنبول لإعادة بنائها على حساب مدننا، ولهذا فإن معركة الريدانية غيرت من مسار النهضة والازدهار في بلادنا وأودت بها إلى الهاوية تحت إمرة العثمانيين لسنوات عجاف طال أمدها, ورغم ذلك لم يمنع بلداننا من القيام بصحوات التحرر ومنها تمكن علي بك الكبير أحد رجال المماليك بسط نفوذه على حكم مصر وإخضاع الحجاز والشام لإمرته وانفصاله عن السلطان بتركيا، ولولا خيانة العثمانيين وتآمرهم مع قائد جنده أبو الدهب عام 1779م لكان لمصر والمنطقة العربية شأن آخر، وبعدها بسنوات وفى عام 1807م جاء محمد على من خلال أول ثورة شعبية مصرية علي لينفرد بحكم مصر بعيدا عن السيادة العثمانية وبدأ بتكوين مصر الحديثة والتوسع بها في السودان ثم الحجاز والشام وصولا إلى أدنه بتركيا, وعندها شعر العثمانيون بقوة نفوذه تحالفوا عليه مع الغرب وتمكنوا من تحجيم نفوذه وإصدار معاهدة لندن 1840م التي أبقت له حكم مصر فقط شريطة تبعيتها للسيادة العثمانية لتصبح مصر مستقلة وغير مكتملة السيادة، ورغم تآمر العثمانيين مع الغرب فإن محمد على قد أكسب لمصر شخصيتها المستقلة وأسهم في انبعاث حركات التحرر والانفصال عن السيادة العثمانية, ورغم ذلك فإن العثمانيين كانوا سببا رئيسا في أن يسلط الغرب أعينه على الوطن العربي ونجح مع الدور التركي في استعمار بلدانه ولينشئ في وقت لاحق وطنا قوميا لليهود في فلسطين ولينفصل العثمانيون مضطرين عن العرب في نهاية المطاف بإعلانهم قيام تركيا العلمانية على يد أتاتورك عام 1924م، ومنذ هذا التاريخ وتركيا تندم على ذلك وتحاول السيطرة من جديد علي بلداننا، ومنذ ثورات الربيع العربي وحتى الآن مازالت تركيا بقيادة أردوغان تحلم بتحقيق أطماعها باشتراكها في المخطط الأمريكي الصهيوني بالمنطقة والمساهمة في نشر الخراب والفوضى والإرهاب فيها آملة في إحياء مشروعها التآمري والتوسعي كما يحدث في سوريا الآن بعد فشل مخططها في مصر وتونس، ويرجع ذلك إلى أن تركيا تبحث لها عن فضاء جديد في بلداننا باسم الإسلام بعد رفض الاتحاد الأوروبي ضمها معه, ولهذا كانت الأزمة السورية فرصة تمكنت من خلالها تركيا أن تستبيح أراضيها وتشترك مع الإرهابيين والغرب حول مصالح كبرى، بعد أن فشلت من قبل في فرض تهديداتها على سوريا والعراق من خلال تلاعبها بملف المياه بنهري دجلة والفرات وحجب مياههما المقررة لهما عنهما، وموقفها العدائي تجاه مصر الآن, ولهذا فإن تركيا تمارس عدوانها المتواصل والمتآمر على سوريا وتعمل على إفشال الحلول السياسية الدائرة حول أزمتها وتنهب ثرواتها وتساعد على تهجير شعبها مقابل السمسرة, وتشجيعها للمعارضة وابتلاعها لديار بكر ولواء الإسكندرونا من قبل, ومحاولتها استقطاع جزء كبير من الأراضي السورية تحت مسمى منطقة عازلة لتصبح همزة وصل بين داعش والعالم الخارجي, وتلاعبها بملف الأقليات. إن تركيا تعاني من أزمة هوية لعوامل تاريخية واستعمارية فلا هي بالعربية ولا هي بالغربية ولهذا فإنها لا تملك خيارات لاسترجاع نفوذها وهويتها غير السمسرة والتآمر على بلداننا من خلال التمسح بالهوية الإسلامية كما يروج لها أردوغان وحزبه، ولهذا فتركيا تعمل على إسقاط سوريا وجيشها لجعلها مكانا للإرهابيين ليساعدوها في الاستيلاء على الأراضي العربية، ولكل ذلك يجب أن تنتبه لهذا الخطر بأن تتوحد بلداننا وتعمل على عودة سوريا كاملة وموحدة, وان نحجم النفوذ التركي وتدخله في شئوننا, وأن نتصدى لهذا الإرهاب ونقتلعه من جذوره، ولن يتحقق لنا ذلك إلا عندما يرتفع صوتنا ونعجل في إقامة القوة العربية المشتركة لفرض هيبتنا على أراضينا، وعلينا أن نتعلم من أحداث التاريخ بعد انكشاف المستور أمام أعيننا لأن الذين اعدموا طومان باى في الماضي مازالوا وحتى الآن يتربصون بنا ويريدون إعدامنا, وما يحدث لنا من أزمات وانتكاسات سببه الرئيسي تآمر الأتراك, وعلينا ألا نقع مرة أخرى فريسة لما يتم التآمر عليه الآن .