في ظل الحروب والنزاعات التي تشهدها بلداننا وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي وبسبب تدخل أمريكا في العراق والناتو في ليبيا وما يحدث في سوريا واليمن وغيرها من البلدان العربية والأفريقية والآسيوية وفي ظل انعدام الأمن والأمان وانتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة في بلداننا العربية علي نحو لم نشهده من قبل لما تفعله تلك التنظيمات من جرائم تأتي علي الأخضر واليابس من أجل إقامة خلافة إسلامية أدت لسيطرة تلك التنظيمات ومنها تنظيم داعش الإرهابي وغيرها من التنظيمات بالتعدي بأبشع الجرائم علي المناطق التي يستولو عليها وبخاصة قاطنيها من الأقليات والعرقيات المختلفة وقيامهم بالقتل والتدمير والقتل الوحشي والخراب والترويع في ظروف مناخية واجتماعية واقتصادية سيئة ودخولهم مع الجيوش النظامية لتلك البلدان في حروب دامية مما أدي إلي نزوح الملايين من السكان المشردين كلاجئين إلي البلدان المجاورة، ومع انعدام الأمل والظروف الإنسانية المتردية لهؤلاء اللاجئين اضطروا إلي الهروب من هذا الجحيم إلي بلدان أوروبا واختيار سكة مليئة بالمخاطر والأهوال كسكة الندامة و'سكة اللي يروح ميرجعش' في الحواديت الشعبية، إن ما يحدث ونشاهده الآن من قصص ومآسي هؤلاء المهاجرين الذين يتدفقون من سورياوالعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية والأفريقية يجعلنا نعيش في زمن الحكايات والأساطير بسبب ما نشاهده عبر القنوات الفضائية من زج هؤلاء المهاجرين بأنفسهم وأولادهم وزوجاتهم في البحر وهم يدركون فقدان الأمل في السلامة والوصول إلي المجهول الذي ينتظرهم إذا ما وصلوا أو يختارون أن يدوروا مشيا علي الأقدام حول المتوسط للوصول لتركيا ثم العبور إلي مقدونيا للوصول إلي أوروبا كبديل عن رحلة البحر العجيبة التي أغرقت الكثير منهم وهي رحلة أصعب بكثير من رحلة البحر التي أحيانًا ما يفضلونها بسبب الصعاب والمعاملات غير الإنسانية التي يتعرضون لها من جانب السلطات في البلدان التي يعبرونها بسبب تشدد الدول الأوروبية تجاه الهجرة غير الشرعية وانتهاجها قوانين صارمة وموحدة مع صعوبة إصدار التأشيرات بكل أنواعها وفي ظل المراقبة المتطورة لحدود هذه الدول وإغلاقها منافذ الهجرة لم يملك الشباب المهاجر من تلك البلدان ومنها شباب بلداننا العربية والأفريقية طريقا للوصول إلي تلك البلدان غير التعامل مع مافيا التهريب عبر المتوسط وبحار أخري من خلال مراكب غير صالحة للملاحة وتتجاوز الحمولة القانونية ناهيك عن إبحارها من منافذ حدودية مجهولة وتسلك طرقا بحرية خطرة، ورغم ذلك تتغير دوما نقاط الإبحار بالمدن التي تقع علي ضفة البحر المتوسط بسبب ملاحقة حرس السواحل لها وأكثر رحلات الإبحار للمهاجرين عادة ما تكون إلي تركيا واليونان عبر بحر إيجا أو إيطاليا مرورًا بصقلية ووصولاً إلي جزيرة لامبيدوزا بإيطاليا واجتياز المحيط الهندي من إندونيسيا وصولاً إلي إستراليا وقد شهدت الهجرة غير الشرعية مؤخرًا تزايدًا كبيرًا وبخاصة في بلدان الربيع العربي منذ عام 2011 ثم تزايدها الآن بأكبر من أي وقت مضي عبر البر والبحر وموت الكثير من المهاجرين عبر الرحلة بسبب تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في تلك الدول وانعدام الأمل لدي الشباب العاطل في تحقيق الحد الأدني من ظروفه الاقتصادية والمعيشية وأبواب الهجرة ومنح التأشيرات بعيدة المنال ولهذا يصبح طرق أبواب الهجرة غير الشرعية واختيار سكة اللي يروح ميرجعش أهون من البقاء في تلك الأوطان، فخلال تلك الرحلات الكارثية المتكررة للمهاجرين منهم من يقضي نحبه في البحر غرقا ومنهم من ينجو ويصل إلي الشاطئ وكثيرًا ما يجدون الإنتربول وحرس الحدود في انتظارهم وتتم إعادتهم من حيث أتوا فيكرروا الكرة مرة أخري ومنهم من يصل سيرًا علي الأقدام ويتعرض لنفس المصير المحتوم، ومن الظواهر اللافتة للنظر أن كثيرًا من هؤلاء المهاجرين من القصر وعادة ما يتم إيداعهم في أحد مراكز رعاية القصر في إيطاليا وفقا للقانون الإيطالي بعكس البالغين الذين بمجرد التعرف عليهم إلا ويتم ترحيلهم إلي بلدانهم، كما يعتبر العام 2015 هو الأسوأ كارثيا بسبب العدد الكبير من المهاجرين وغرق وموت الكثير منهم بشكل يومي مما دفع بالدول الأوروبية للاجتماع أكثر من مرة لوجود حلول لتلك المشكلة التي أصبحت تؤرقهم بعد أن شعروا بأن شعوب بلدان الحروب والنزاعات بالعالم تتجه أنظارها للعيش في بلدانهم برغم التحديات والصعوبات. لقد أصبح حلم الهجرة غير الشرعية يرافق يوميات الكثير من أبناء البلدان الفقيرة ليأسهم من تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تزداد سوءا فتأتي هجرتهم إلي تلك البلدان وسعيهم إلي غدا أفضل. والصادم في هذا أن الدول الأوروبية وغيرها من دول الهجرة تهتم بتلك الظاهرة ولا تتواري في عقد المؤتمرات الجدية الهامة لسعيها لإيجاد حل لعلاجها ونحن في بلادنا لم نتصدي لها يوما لنعالجها بشكل جاد وظلت محل ندوات ودراسات عادة ما تنتهي بالتجمهر حول موائد الطعام وتوصيات تظل حبرا علي ورق يتوارثها المسئولون فيما بينهم، في حين أن فصول تلك التراجيديا مازالت تتوالي وترخي بسدولها وقتامتها علينا لأنها تأتي علي شبابنا الذين يموتون علي هذا النحو بما يتعارض مع القيم وأبسط الحقوق الإنسانية كما أنها تسيء إلي سمعتنا بالعالم الخارجي وتزيد أيضا من حالة الحزن والضغينة في داخل تلك البلدان وبخاصة عند أسر أقارب الضحايا، كما أننا ومع فقدانهم علي هذا النحو المفجع نفقد أهم ثروة نمتلكها ثروة لو أحسن استغلالها واحترامها لجعل منها طاقة فذة وفاعلة ومعطاءة في شتي المجالات وهو ما يمكن لو حدث أن ينعكس علي قوة ازدهار التنمية البشرية والاقتصادية وغيرها في بلادنا، فمتي يأتي الجادون من رموزنا وساساتنا ليوقفوا فصول تلك المأساة التي حصدت معها الكثير من أفضل شبابنا وهجرتهم إلي سكة اللي يروح ميرجعش.