تشهد ولاية هاواي الأمريكية غداً الثلاثاء اجتماعا مهماً يضم كلا من الولاياتالمتحدةواليابان وعشر دول أخري من منطقة المحيط الهادئ وذلك لوضع اللمسات الأخيرة علي اتفاق الشراكة الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ. تأتي هذه الاجتماعات إنطلاقاً من الرغبة الأمريكية لمحاصرة الاقتصاد الصيني الذي بات مهدداً للاقتصاد الأمريكي، وذلك بعد أن حاصرتها سياسياً بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، ولا شك أن ذلك الأمر يتسق مع سياسة الولاياتالمتحدة الواضحة في فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط وتوجهها نحو إقليم آسيا والمحيط الهادي لمواجهة النفوذ الصيني الممتد هناك. إلا أن الولاياتالمتحدة في نفس السياق لا يمكنها التخلي بشكل كامل عن المنطقة لما تمثله الصراعات داخلها من تهديدات عابرة للحدود لمصالح الولاياتالمتحدة، وإذا كان الصعود الصيني أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية، فإن هذا من شأنه أن يجعل دول الخليج أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة وأن تأمين إمدادات النفط الخليجي سيكون عاملا هامًا في استقرار الاقتصاد الصيني. وعلي خلفية هذا النهج الأمريكي تلتقي الدول ال12 في هاواي وهي تؤكد أن الاتفاق سيعزز النمو بالمنطقة، ويفرض علي الصين التي لا تشارك بالمفاوضات أن تفتح اقتصادها بشكل أكبر. ولذلك كان الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو من المدافعين عن المعاهدة قد قال في مايو الماضي 'إن لم نحدد نحن قواعد التجارة العالمية فإن الصين ستقوم بذلك، وبشكل يصب في مصلحة المؤسسات والعمال في الصين'. وتأمل واشنطن التي تمثل مع شركائها 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أن يؤدي اللقاء في هاواي إلي اتفاق أو يسمح علي الأقل بوضع أسس لتسوية علي المدي القصير. فبعد معركة صعبة بالكونجرس، حصل الرئيس أوباما أواخر يونيو الماضي علي السلطات التي تخوله عملية تسريع التفاوض بعد معارضة من قبل الديمقراطيين. وفي نفس الوقت تراهن أيضا الدول الأخري التي يشملها اتفاق الشراكة الاستراتيجية علي تحقيق مكاسب اقتصادية علي حساب الصين، الواقعة بالقارة الأمريكية 'بيرو وتشيلي وكندا والمكسيك' وفي آسيا 'بروناي واليابان وماليزيا وسنغافورة وفيتنام' وأوقيانيا 'أستراليا ونيوزيلندا'. وتأمل اليابان الاقتصاد الثالث بالعالم أن يؤدي الاتفاق إلي إقرار إصلاحات داخلية لا تلقي شعبية من أجل تحرير قطاع الزراعة. كما تأمل فيتنام دخول أسواق جديدة لا تزال مغلقة أمامها ويبدو التوصل لتسوية بالنسبة إلي الاتفاق عبر المحيط الهادئ أقرب منها بالنسبة إلي الاتفاق عبر المحيط الأطلسي، إلا أن الوقت يداهم إدارة اوباما. فمن المقرر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بالولاياتالمتحدة في نوفمبر 2016، ويمكن لأي تأخير أن يعرقل إقرار المعاهدة من قبل الكونجرس الأمريكي. ويصف خبراء ومحللون اقتصاديون اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ بأنها المفاوضات التجارية الأكثر أهمية منذ عشرين عاما، إذ سيكون لها فوائد مهمة غير مباشرة علي الطريقة التي سيعاد فيها صياغة القواعد التجارية في مختلف انحاء العالم. وبحسب وثائق سرية نشرها موقع ويكيليكس فإن الاتفاق يمكن أن يتيح لمستثمرين أن يقاضوا دولاً وأن يؤدي إلي رفع أسعار الأدوية وتعزيز حماية الملكية الفكرية علي حساب المستهلكين. وهذه الانتقادات مشابهة لما تعرض له اتفاق الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الأطلسي والذي لا تزال المفاوضات بشأنه جارية بين الأمريكيين والأوروبيين منذ يوليو 2013.