انخفضت شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة للدورة البرلمانية ال 25 القادمة لعدة أسباب، علي رأسها مشاركة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان في الحملة الدعائية لحزبه الحاكم، ما أفقده حياديته التي أقسم عليها عند أداءه اليمين الدستورية بعد انتخابه رئيسا للبلاد، فضلا عن عدم وقوفه علي مسافة متساوية من الأحزاب السياسية، وهو ما أدي لاستياء عدد كبير من الناخبين. ومن ناحية أخري، ابتعدت نسبة من المتدينين الأكراد عن حزب العدالة والتنمية وفضلوا التصويت لصالح حزبهم الكردي، الشعوب الديمقراطية، خاصة بعد أحداث كوباني 'عين العرب' بشمالي سوريا، ورفع رئيس الجمهورية نسخة من القرآن الكريم، واستغلال الدين لصالح حزبه، وهو أيضا ما أثر بالسلب علي حزبه الحاكم. وفي داخل حزب العدالة والتنمية، سادت حالة من الملل في قواعد الحزب المتواجد بالسلطة منذ عام 2002 جراء الأسلوب والمواقف السلبية الخاطئة، علاوة علي كشف حقيقة أكاذيب الحكومة في قضايا المطرقة وآرغنكون والتجسس والاتهامات المستمرة لجماعة الداعية الإسلامي الشيخ فتح الله جولن، المقيم في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1998. الانتخابات البرلمانية التي جرت اليوم كانت بمثابة استفتاء شعبي علي طلب رئيس الجمهورية أردوغان بتغيير نظام البلاد من البرلماني إلي الرئاسي حتي لا يكون رئيسا شرفيا مثل سابقيه ولتجميع السلطات في يده، لذا ووفقا للصورة الحالية لنتائج الانتخابات التشريعية، فإنه لا يمكن التوجه لتغيير نظام البلاد من برلماني إلي رئاسي ولا يمكن تشكيل حكومة بحزب منفرد، ولذا فليس هناك مفر من أن يكون لحزب العدالة والتنمية شريك في الحكم في إطار حكومة ائتلافية، وهو الكابوس الذي حاول أردوغان أن يهرب منه. الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كان حزب الشعب الجمهوري بزعامة كمال كليجدار أوغلو، ويليه حزب العدالة والتنمية، أما الفائز الأكبر فكان حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، الذي يدخل البرلمان للمرة الأولي كحزب سياسي وليس كأكراد مستقلين، ثم يليه حزب الحركة القومية اليميني المتشدد. انتقلت أصوات حزب الشعب الجمهوري في المدن الكبري، وخاصة أنقرة واسطنبول وإزمير، إلي حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، أو بمعني آخر انتقلت أصوات الكماليين من الحزب الكمالي إلي الحزب الكردي، ربما لإنجاحه وبالتالي التخلص من حزب العدالة والتنمية ووضع حد لسقف طموحاته، ويمكن القول إن حزب الشعوب الديمقراطية سيصبح حزبا تركيا، وليس كرديا، فضلا عن انتقال أصوات الناخبين من العدالة والتنمية إلي الأكراد. وفي ظل هذا التصويت العقابي للحزب الحاكم، انخفضت أصوات حزب العدالة والتنمية في ديار بكر من 35% إلي 15%، وبمعني آخر عادت أصوات الأكرادمرة أخري لحزبهم، بعد أن كانوا يصوتون لحزب العدالة والتنمية. وإلي جانب الدوافع السياسية لهذا التصويت العقابي، كان لضعف المؤشرات الاقتصادية دور في انخفاض شعبية حزب العدالة والتنمية، حيث أصر رئيس الجمهورية أردوغان علي تخفيض معدل الفائدة، وعارض خطوات البنك المركزي التركي، ما تسبب في ارتفاع أسعار العملة الصعبة مقابل الليرة التركية بشكل غير مسبوق، فخلال فترة أحداث متنزه 'جيزي بارك' باسطنبول ارتفعت قيمتا اليورو والدولار بنسبة 3%، فيما ارتفعت قيمة العملتين بسبب التوتر بين أردوغان ومحافظ البنك المركزي بنسبة 7% مقابل الليرة. وقد يضاف إلي كل هذه المشكلات أزمة استقالة رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان وترشيح اسمه عن حزب العدالة والتنمية، وهو ما عارضه أردوغان، فعاد فيدان إلي منصبه الذي استقال منه بعد أيام في خطوة كان لها مردود سلبي كبير أثر بشكل واضح علي ناخبي الحزب الحاكم. وفي إطار النتائج التي تظهر تباعا بعد فرز أكثر من 90% من صناديق الاقتراع، سيتوجه حزب العدالة والتنمية بكل تأكيد لتشكيل حكومة ائتلافية، وهو الأمر الذي وصفه أردوغان في إحدي تجمعاته ب 'الخطير'، حيث قال إن تشكيل حكومة ائتلافية قد يعود بالبلاد إلي أوقات الفوضي والاضطرابات الماضية.