حزن فراقك'أخضر'.. وسيبقي'مرويا'بدموع قلبي.. مهما جارت الأيام، وعوادي الزمن.. فراقك'مر'كطعم'الحنظل'.. يختلط في'أنفاسي'و'دقات قلبي'و'نبض شراييني'.. ففراقك ياأمي'نقطة فاصلة'لي، بين'حياتي'و'موتي'.. فمن قبل'فراقك'كانت الحياة'حياة'ومن'بعدك'فقدت كل مافيها من'حياة'. حين دهمني خبر رحيلك.. شعرت أن'روحي'تغادرني'.. وتستقر معك في 'دنيا الخلود'.. فقد كنت أعيش'بنبضك'.. وأحيا'برضاكي'عني.. وعن'أشقائي، وشقيقاتي'.. فمن لنا بعد اليوم في'دنيا الفناء'؟.. وممن سنأخذ'البركة'و'الدعاء'؟.. ومن تلك التي إذا'صدتنا'الدنيا، بأبوابها القاسية، إحتوتنا بحنان قلبها، وحنو حضنها؟.. أعرف أن الله حق، وأن'الموت'حق.. ولكن فراقك ياأمي.. مرض بلاعلاج.. سيبقي يكوي قلبي.. ماحييت.. وينكأ جرحي بغيابك، ماكتب لي من باقيات الأيام في الدنيا.. فبرحيلك غاب'البلسم الشافي'.. وزال'النبع الصافي'.. وأغلقت الورود'مسامها'لتنبت بدلا منها'أشواك جارحة'.. كنت أزهو، وأتفاخر، وأنا أتعبد في'محراب'قلبك.. ففيه كنت أتجول في مخزن'الباقيات الصالحات'.. ومنه كنت أستمد'طاقة الخير'التي تدفعها'سفينتك'العامرة بحبك، إلي روحي المعلقة بخلودك الأبدي في كل جوارحي.. اليوم.. واليوم فقط.. أدركت ياأمي أن'صفحة قلبي'طويت مع آخر'نفس'غادرك في دنيا الحياة.. اليوم.. اليوم فقط.. تبدلت رائحة الهواء.. وتغير مذاق كل شيء.. وزحف الظلام علي أحاسيسي.. وانحسرت مساحات الضوء في حياتي.. لتتسلل إلي نفسي'غصة'سوداء، تأبي الرحيل. أواه.. ياأمي.. فحين دلفت إلي 'جسدك الطاهر'المسجي فوق'تابوتك الأبدي'.. لم تحركي ساكنا هذه المرة.. لم تتلهفي لاستقبالي، كما عهدك طوال سنين حبك،.لم تعانقيني كعادتك، أوتدفعيني دفعا إلي حضنك، وأنتي ترددين'وحشتني ياوليدي'.. صمت مطبق، كسا غرفتك بحزن كان يخيم علي كل أركانها.. لم تسأليني هذه المرة عن'محمد'و'عبد الحميدو'جمال'و'منتصر'.. ولاعن'أولادي'.. وعن أحوالهم، وخوفك الأبدي عليهم. أواه.. ياأمي.. وجهك الملائكي، إبتسامتك، ونضارة وجهك التي عادت، وكأنك فتاة في أربعينيات العمر.. كانت'لآليء'ترتسم علي جسدك، وهو مسجي في زيه الأبيض الملائكي.. عطر روحك تملكني وأنا أعانق جسدك في لحظات ماقبل الرحيل.. وعند منحدر الأحزان، الذي راح ينهمر علي قلوبنا، ليسكب فيها تلالا من الحزن المعبأ بفراقك ياأمي. أتغادرين أخيرا'بيتك'الذي قضيتي فيه كل سنين عمرك، وأنتي التي رفضتي مجرد العيش في'شقة'وثيرة، أعدناها لك في القاهرة؟.. تسافرين هذه المرة، بلاعودة.. تغادرين بجسدك، وتبقي روحك تتملكنا، بعد أن غرستيها بعطائك في كل مسامنا.. لم نصدق ونحن نواريك الثري أنك لن تعودين معنا.. وقفنا علي بابك.. وجسدك الطاهر يودعنا في لحظاته الأخيرة.. كوة صغيرة في 'قبرك'سلبت قلبي، ليدفن معك.. وإلي جوارك، حيث'ترقدين'.. ودموع شقيقي'أحمد'التي أغرقت باب قبرك، كانت وداعا يليق بأم في مثل عظمتك، وتضحياتك التي أنارت لنا'درب الحياة'.. نعرف أن الله حق.. وأن'الموت'حق.. ولكنني لاأصدق أنكي أبدا لن تعودين.. أوأن رحيلك عنا سيبقي دائما.. نفتش عنك كل صباح في غرفتك.. نبحث عنك فوق المقعد الذي كنتي تفضلين الجلوس عليه.. أدخل بيتنا'الصعيدي'وعيناي صوب وجهك، الذي غاب عن المكان، ولم يغادر قلبي وروحي.. أكاد أناديكي، كما كنت أفعل دائما'ياامه'.. وتبادرين بالسعي نحوي، حتي في ظروف مرضك الأخير.. أكاد أطلب من شقيتاي'شادية'و'نادية'أن يطمئنا عليكي، وأنتي في لحظات تعبك ومرضك. في زيارتي الأخيرة، قبل رحيلك، قضيت معك أياما، كانت الأطول منذ سنين بعيدة.. خلت أني أودعك.. في ذروة مرضك، كنتي ياأمي تأتين إلي سريري، وأنا أخلد إلي فراش النوم، لتغطيني بنفسك، وتطمئني علي قبل المنام، وتطلبين مني، كما كنتي تفعلين منذ طفولتي أن أقرأ آيات قصيرة من القرآن قبل النوم.. وكنتي.. كما هو عهدك.. تتسللين بهدوء إلي مكان نومي، قبل الفجر، وبعده، لتطمئني علي نومي'هادئا'ولتشدي الغطاء علي جسدي، إذا ماتباعد قليلا. ويوم سفري الأخير عنك، كانت لحظات وداعك هذه المرة، غير كل مرة.. إحتضنتيني، وضمتيني اليكي، ورفضتي أن تتركيني، يومها قلت لشقيقي'مصطفي'بعد عودتي للقاهرة، أنني أشعر أن تلك آخر مرة أري فيها 'أمي'.. وحين سألني لماذا، رويت له ماحدث.. فقد كانت تدرك.. بحاسة'الأم'وقلبها المعطاء.. أنها'مغادرة'إلي'يوم معلوم'.. وأن دنو أجلها، بات بين لحظة وأخري. سامحينا يا'أمي'لوقصرنا في حقك يوما.. بلغي سلامنا لوالدي الراحل العظيم الذي يرقد في حفرة مجاورة لك.. ولانملك ياأمي، وأنتي في دنيا الخلود غير أن ندعو لك بالرحمة، ونقول ماقال رسولنا الأعظم'إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا علي فراقك لمحزونون ياأمي.. ولانقول الا مايرضي ربنا.. إنا لله وإنا اليه راجعون.. لله ماأخذ، وله ماأعطي، وكل شيء عنده بأجل مسمي'.