محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    أسامة الأزهري: وجدان المصريين السني رفض محاولة المد الشيعي    مدبولي مهنئا السيسي بعيد الأضحى: أعاهدكم على استكمال مسيرة التنمية والبناء    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    12 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024    البورصة المصرية تطلق مؤشر الشريعة "EGX33 Shariah Index"    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    محافظ الفيوم يوجه بتشكيل لجنة للمرور على كافة المصانع    إسرائيل تهاجم لجنة تحقيق أممية اتهمتها بارتكاب جرائم حرب في غزة    أ ف ب: لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل و7مجموعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب    الكويت: أكثر من 30 حالة وفاة وعشرات الإصابات في حريق جنوب العاصمة    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة يواجهون خطر الموت أمام أعين عائلاتهم    أيمن يونس: الموهبة في الزمالك بزيادة.. ولدينا عباقرة في المدربين    سر البند التاسع.. لماذا أصبح رمضان صبحي مهددا بالإيقاف 4 سنوات؟    بيراميدز يرد على مطالب نادي النجوم بقيمة صفقة محمود صابر    خلال 24 ساعة.. تحرير 562 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    وصول سفاح التجمع محكمة القاهرة الجديدة لنظر محاكمته وسط حراسة أمنية مشددة    إصابة 34 راكبا إثر انقلاب أتوبيس برأس سدر    الذروة 3 أيام.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد في عيد الأضحى    مناسك (6).. الوقوف بعرفات ركن الحج الأعظم    والدة طالب الثانوية الذي مُنع من دخول امتحان الدين ببورسعيد: «ذاكروا بدري وبلاش تسهروا»    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    حسام حبيب يُهنئ شيرين وخطيبها ويهديها أغنية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    ترتيب مجموعات أفريقيا في تصفيات كأس العالم بعد الجولة الرابعة    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    بدأ مشوار الشهرة ب«شرارة».. محمد عوض «فيلسوف» جذبه الفن (فيديو)    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصطفى مدبولى يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى المبارك    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلام القصف الصّهيوني.. وصناعة الاستسلام ...؟
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 02 - 04 - 2015

يشكل الإعلام حجر الزاوية في الاستراتيجية الصهيونية منذ قيام الحركة الصهيونية علي يد الصحفي اليهودي ''تيودور هرتزل'' الذي استطاع عقد المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 في مدينة بال بسويسرا حيث جاء في البند الثالث من مقرراته ''ضرورة العمل علي نشر الروح والوعي بين يهود العالم وتعزيزهما لديهم من أجل دفعهم للهجرة إلي فلسطين''. وعمل الإعلام الصهيوني علي ترسيخ مقولة رئيسية مفادها أنه ليس للغرب في هذه المنطقة أفضل من الغرب نفسه، كما يتمثل ذلك في ''إسرائيل'' التي اعتمدت منذ البداية علي الدول الغربية الاستعمارية والدفاع عن مصالحها وهذا ما أكده الأكاديمي ''جورج رودر'' حيث قال: إن بقاء ''إسرائيل'' كقوة غربية رادعة يعتبر مسألة بالغة الأهمية للدفاع عن أوروبا وعلي المدي الطويل عن أمن الولايات المتحدة الأميركية وهي مستعدة وراغبة في مشاركتنا أهدافنا الدفاعية والغرب مطالب بالدفاع عنها في وجه التهديدات التي تأتيها من الدول العربية التي تستهدفها وتحاول القضاء عليها.
لقد تنبهت الصهيونية إلي تلك القوة الهائلة لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها في ممارسة اللعبة السياسية من خلال استغلال فن الخداع البصري والسمعي الدعاية السياسية علي المشاهدين والمستمعين بمختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والسياسية، بحيث تم استغلال تلك الوسائل التي يفترض أن تكون وسائل موضوعية وحيادية لنقل الحقائق بكل مصداقية لتزييف الحقائق وتشويه الصور علي أرض الواقع، وذلك من خلال إعلام مضاد ودعاية سياسية موجهة لقلب الواقع وتغيير ملامحه الحقيقية لتوازي وتواكب الهدف الصهيوني المراد توصيله إلي المشاهد والمستمع في مختلف أرجاء المعمورة.
وفي هذا السياق يقول الكاتب اليهودي ويليام تسوكرمان 'في رأيي إن قوة البروبوغاندا الحديثة المخيفة والمرعبة والقادرة علي احتلال أذهان الناس وحياتهم، وعلي التلاعب بعواطفهم، وتحويلهم إلي حيوانات، وليست في أي مكان علي هذا الوضوح كما هي في البروبوغاندا الصهيونية.. فقد نجحت هذه البروبوغاندا حرفياً في تحويل الأسود إلي أبيض، والأكاذيب إلي حقيقة، والظلم الاجتماعي الخطير إلي عمل عادل يمتدحه الكثيرون، كما حولت أناساً قادرين من ذوي الألباب إلي مغفلين وأغبياء'.
فعملية تأليب الرأي العام العالمي ضد العرب وتشويه صورتهم وتزييف حقيقة وعدالة قضيتهم هي سياسة تتم صياغتها بعناية فائقة من قبل المسؤولين الإسرائيليين ساسة وأكاديميين. فقد نجحت الاستراتيجية الصهيونية وعبر وسائلها الإعلامية العربية المأجورة في خلق الشحن النفسي وحتي المذهبي والطائفي وهو العامل المؤثر والأهم، ولعل كل متتبع عربي شاهد مدي الفرح الصهيوني بما يحدث الآن في الوطن العربي، حيث امتدت الرؤية الإسرائيلية التي استغلت من خلالها ''البروبوغاندا'' السياسية الإعلامية لخدمة المصالح الصهيونية في الخارج الإسرائيلي، وذلك في عدة قضايا دولية، وخصوصاً تلك التي تخص العالم العربي وتدخل من ضمن خصوصياته أو سيادته الإقليمية، كاللعب علي وتر الطائفية السياسية في العراق من أجل إثارة الفوضي والبلبلة وعدم الاستقرار، وبالطبع فإن الهدف من وراء ذلك معروف، كذلك من خلال إثارة الفتنة والعداوة ما بين الشقيقين العربيين الجارين الجمهورية العربية السورية ولبنان، وتأجيج الملف النووي الإيراني، وغيره من الملفات العربية الحساسة.
فالبروفيسور ''بنيامين عزار'' يقول: ''إن الإيحاء للعالم باستمرار العداء من قبل العرب ''لإسرائيل'' يخدم جملة من التصورات والمفاهيم التي تقوم علي أن الدول العربية تريد إبادة ''إسرائيل'' وإزالتها من الوجود وهو شيء علينا أن نعمل علي إقناع شعبنا والرأي العام به بكل الوسائل التي بين أيدينا لأن ذلك يعد من مصالحنا العليا''. والهدف من هذا القول هو إضفاء الشرعية علي الممارسات الصهيونية البشعة والعدوانية واعتبارها دفاعاً عن النفس ضد الأخطار التي تتهددها كما تدعي.
إن الإعلام الصهيوني كان وما زال يتخذ من تلقين الذهن اليهودي بعقدتي الخوف من العرب وادعاء التفوق التكنولوجي والقيمي عليهم وسيلة لتحقيق أهدافه من أجل تنمية الشعور بالحقد والكراهية ضد كل ما هو عربي. ولا شك بأن الأساليب الإعلامية المختلفة التي ينتهجها الإعلام الصهيوني هي دليل واضح علي أن الحركة الصهيونية هي من الحركات القليلة في هذا العالم التي أحسنت استخدام سلاح الإعلام، وسخرته لكي يصبح أداة قوية ومؤثرة في أيديها. والأساليب المستعملة في الإعلام الصهيوني كثيرة ومتشعبة ومتداخلة مع بعضها البعض، ولكن جميعها تفي بالغرض المطلوب سواء كان علي صعيد الابتزاز أو الاستعطاف، أو أسلوب المناورة. ويرجع نجاح الدعاية الصهيونية إلي عدة عناصر:
تعدد المنظمات الدعائية وتنوعها وضخامة عددها واعتمادها التخطيط العلمي.
تقوم الدعاية الصهيونية بتوظيف أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب، فهم يشكلون جزءاً عضوياً داخل الجسد الغربي علي رغم استقلاله النسبي. ومن ثم تبدو الدعاية الصهيونية كما لو أنها ليست وجهة نظر دولة أجنبية وإنما تعبير عن مصالح أقلية قومية.
غياب الدعاية العربية وفجاجتها في كثير من الأحيان.
ولكن السبب الحقيقي والأول لنجاح هذه الدعاية، هو أن ''إسرائيل'' كيان وظيفي أسسه التشكيل الحضاري والإمبريالي الغربي ليقوم علي خدمته، ولذا فهي تحظي بكثير من التعاطف، لأن بقاءها كقاعدة للاستعمار الغربي جزء من الاستراتيجية العسكرية والسياسية والحضارية للعالم الغربي.
من هنا نجد أن عملية الدمج الكلي للإعلام بالسياسة الخارجية والعسكرية للكيان الصهيوني في ظل الدعم الغربي إعلامياً وسياسياً ومادياً وعسكرياً تحاول أن تبث في نفوس العرب اليأس والإحباط للتخلي عن المقاومة التي هي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق المغتصبة وهذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ''إسحاق رابين'': ''إن السياسة الإعلامية والدبلوماسية الإسرائيلية يجب أن تنطلق من أن ''إسرائيل'' قد أصبحت حقيقة ثابتة في المنطقة العربية وأن مهمتها تتجسد في مواجهة العرب بتلك الحقيقة علي الصعيد العالمي، وتوضيح مقدار عجز العرب في تغيير هذه الحقيقة المؤكدة التي يجب أن يقروا بها ويتصرفوا علي ضوئها''.
ويتسم الإعلام الصهيوني بسمتين أساسيتين:
الأولي أنه دعاية منظمة ومخططة ذات أهداف استراتيجية واضحة، فهي تسبق الأحداث وتواكبها ولا تأتي في أعقابها.
والثانية: أنه دعاية تركز علي تكرار مجموعة من القضايا والدعاوي الباطلة التي يتم الالحاح عليها لترسيخها في الأذهان وتثبيتها في ذاكرة الإنسان حتي تصبح وكأنها حقائق يجب التسليم بها.
وفي هذا الإطار نجد أن الدعاية الصهيونية تركز علي استخدام مصطلح ''النزاع العربي الصهيوني'' بدلاً من مصطلح ''القضية الفلسطينية'' لإيهام العالم أن ثمة طرفين متنازعين هما العرب والصهاينة لكل منهما حق في فلسطين وأن نزاعهما يدور حول هذا الحق كما يصر الإعلام الصهيوني علي استخدام مقولة ''أرض إسرائيل'' بدلاً من إسم فلسطين ليوحي للعالم أن فلسطين ليست أرضاً فلسطينية بل هي أرض إسرائيلية وأنها ملك لليهود وليس للفلسطينيين حق فيها.
من جهة أخري يستخدم الإعلام الصهيوني منذ أواخر القرن التاسع عشر مصطلح ''الشرق الأوسط'' بدلاً من عبارة الوطن العربي التي تؤكد عروبة هذه الأرض من المحيط إلي الخليج وما ''إسرائيل'' إلا جسم غريب عن الوطن العربي. كما لم ينس العالم ما روجته الدعاية الصهيونية لمقولة: إن العرب يريدون إلقاء اليهود في البحر وكان ذلك تمهيداً للعدوان الصهيوني علي العرب في 5 حزيران 1967 ولكسب عطف الرأي العام العالمي وتأييده.
والمتابع للشأن الإعلامي، يلاحظ أنه قد برزت علي السطح في الأشهر الأخيرة في إسرائيل، وفي الساحة الإعلامية فيها علي وجه التحديد، ظاهرة تشير إلي اتجاه كبار أصحاب رؤوس المال لوضع يدهم علي وسائل الإعلام الرئيسية في إسرائيل، وبشكل خاص الصحف الكبري ومحطات التلفزة واسعة الانتشار، ما أثار القلق لدي أوساط إعلامية إسرائيلية تري أن السيطرة المطلقة لرأس المال الكبير علي الإعلام الإسرائيلي لا تعني وضع هذا الإعلام في خدمة مصالح كبار الرأسماليين علي حساب الشرائح الأخري، بما يعنيه ذلك من اتساع التصدع الاجتماعي الذي كشفت عنه موجة الإحتجاجات الأخيرة في إسرائيل فحسب، بل إن هذه السيطرة تعري مقولات ''حرية الإعلام والتعبير'' التي دأب الإعلام الصهيوني علي تكرارها، والتي تاجرت بها الصهيونية كإحدي الركائز التي اعتمدتها الدعاية الصهيونية، وهي تروّج للمشروع الصهيوني، كامتداد للحضارة الغربية، وكحامل لقيمها في الديمقراطية والحرية، لتبين أن ''الإعلام الحر'' لم يكن إلا أكذوبة أخري استخدمت لخدمة مصالح النخبة الأشكنازية التي تدير المشروع الصهيوني، متحالفة مع النخب الممسكة بالقرار السياسي والاقتصادي في عواصم الغرب الكبري الراعية للمشروع الصهيوني.
ففي تقرير صادر عن ''مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل'' حول الانتهاكات والتعديات علي حرية الصحافة والصحفيين في إسرائيل خلال السنة الأخيرة، أورد التقرير العديد من الأمثلة التي تبين أن ''حرية الإعلام'' شعار وواجهة وقناع تجميل، أكثر بكثير من كونها واقعاً ملموساً، وتكشف هذه الأمثلة عن تدخل من يمتلكون القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في عمل المؤسسات الإعلامية بأشكال مختلفة، تظهر علي سبيل المثال في العلاقة المشبوهة التي تربط أصحاب رؤوس الأموال من مالكي هذه المؤسسات مع الشخصيات السياسية وزعماء الأحزاب.
هذا بخلاف تدخل المتحدث العسكري الذي لا سبيل لمواجهته في عمل أقسام الأخبار في الوسائل الإعلامية المختلفة، وبشكل يعيق عمل الصحفيين في تناولهم للموضوعات المتعلقة بالجيش بشكل ملائم، علي حد تعبير التقرير.
ولا ينسي التقرير الإشارة إلي ما يتعرض له الصحافيون الأجانب والفلسطينيون من قيود واعتداءات وإهانات، ففي التقرير وأمثلته التي لم يتسع المجال إلا للإشارة لبعضها، ما يؤكد أن حرية الصحافة في إسرائيل ما تزال، رغم كل مقولات حرية التعبير المدعاة، وكما يقول التقرير، غير مكرسة في تشريع رئيسي، ولا حتي في تشريع أو قانون ثانوي، وهي تعتمد أساساً علي قرارات المحكمة الإسرائيلية العليا، ما يجعلها عرضة للتهديد والانتهاك بصورة دائمة، لاسيما أن هذه المحكمة باتت هدفاً معلناً لليمين المتطرف، وربما لا تستطيع أن تحمي نفسها.
إنها شهادة أخري يضيفها تقرير ''مركز كيشف''، تثبت أن ''حرية الإعلام والتعبير'' التي طالما تاجر بها الخطاب الصهيوني، زاعماً تفوق الإعلام الصهيوني حتي علي الإعلام الغربي الذي استلهم نموذجه بداية، ليست إلا وهماً آخر استخدم للتضليل، فالإعلام الصهيوني ما هو إلا وسيلة لخدمة النخبة الاشكنازية التي تدير المشروع الصهيوني، لا يغيّر من ذلك أقنعة ''الحرية'' التي تسقطها شهادات الإسرائيليين، قبل غيرهم.
وعليه فإننا نستطيع أن نطلق علي الإعلام الصهيوني بأنه إعلام رسمي موجه، يعتمد الموقف الرسمي في كل تحركاته وسكناته، وكأنه موقف لا جدال عليه، والرأي الآخر يأتي علي شكل موقف مشكوك بمصداقيته 'ولهذا الأمر عدة أمثلة، فلم يشكك الإعلام الإسرائيلي أبدا في رواية واحدة من تلك التي يرويها الجيش الإسرائيلي، في وقت تعتبر فيه الرواية الفلسطينية هي رواية مشكوك بها، فالجيش مثلا 'يقول' أما المصادر الفلسطينية فإنها 'تزعم'، والجيش 'يطلق النار ردا علي اعتداء'، والفلسطينيون 'معتدون'، بحيث تتحول الحقيقة فيه إلي كذبة، والواقع إلي خيال، وبمعني آخر تكون الضحية هي الجزار والإرهابي، والمحتل المستعمر هو الضحية البريئة المغلوب علي أمرها، وبالتالي تتغير صور الحوار وواقع الحال وكل ما يكون من آثار ومشاهد إلي مصطلحات محورة ومزيفة، ومنطق عذب يخفي وراءه عنقاء الانتقام وغول الحقد والكراهية وأسوأ مظاهر الكذب والخداع الإعلامي السياسي علي الأذقان واللحي.
وهكذا يقوم الإعلام الصهيوني بتلبيس الحق بالباطل وتصوير الضحية جلاداً والقتيل قاتلاً لتضليل الرأي العام وقلب الحقائق وطمسها وفي هذا الإطار يصور هذا الإعلام ''إسرائيل'' قانون ''جيسو'' الفرنسي الصادر عام 1990 والذي يسمح بمقاضاة المتهمين بمعاداة اليهود أو ما يعرف باسم معاداة السامية في خنق حرية الرأي لكل من يتجرأ علي انتقاد السلوك الإسرائيلي، فقد مثل أمام القضاء الفرنسي عدد من المفكرين والكتاب والأدباء العرب والغربيين بتهمة التحريض علي معاداة اليهود ومنهم الصحفي ''إبراهيم نافع'' والمفكر الفرنسي ''روجيه غارودي'' وغيرهما.
يقول الباحث الفرنسي ''دونيس سيفير'' في كتابه الحرب الإعلامية الإسرائيلية الجديدة في الحرب، ''يجب أن يكون ثمة إعلام كامل يؤدي ذات الدور الذي تؤديه البندقية والطائرة النفاثة والقنابل التي تسقط آلياً علي الضحايا، لأن الحرب سوف تكون مخططاً مدروساً يجب التحكم من خلاله والذي يرتبط فيما بعد بالعامل النفسي للصهاينة ومن ثم المجتمع الدولي الذي لا يجب أن يري الحرب كما هي حقيقة بل كما يبثها له الإعلام الصهيوني فقط أي حرباً ''نظيفة'' لا يموت فيها سوي الإرهابيين''.
ويوضح ''سيفير'' الدور الخبيث لهذا الإعلام وكيف أنه يعتمد علي مبدأ أكذب حتي يصدقوك والذي بكل أسف كما يقول الكاتب انحازت إليه دوائر إعلامية غربية كثيرة صدقت الخبث الصهيوني القائل إنه يدافع عن نفسه من الإرهاب والذي أيدته في حربه هذه كل الوسائل الإعلامية وغير الإعلامية الأميركية التي بدورها تخوض نفس اللعبة القذرة في كل من العراق وأفغانستان وأصبح الإعلام الجديد يدافع عن المجرمين علي حساب الضحايا متناسياً أن صورة الضحايا أخطر وأكبر.
وفي حقيقة الأمر ليست البروبوغاندا الإعلامية الصهيونية بما تحتويه في مضمونها من خداع وأكاذيب وتشويه لمعني ومضمون حقيقة الإعلام، نتاج الوجود الصهيوني الإسرائيلي الحالي في عالمنا العربي، أو نتاج الصراع العربي الإسرائيلي علي وجه التحديد، وإنما هو نتاج وامتداد تاريخي لأيديولوجيا بشرية غريزية مبنية علي الكراهية والحقد والكذب وفن الخداع علي الآخرين منذ الأزل، وقد ورد في كثير من الكتب التاريخية السماوية اليهودية كإصحاح أشعيا وعاموس وأرميا وغيرها من الكتب والأصاحيح اليهودية، ما يدل علي هذه الحقيقة التي طالما تنصل منها اليهود الصهاينة.
فهذا أرميا يتحدث عن غضب الله ورفضه جيلا بكامله من اليهود، لأن الحق قد باد وتمزق بسببهم فيقول: 'فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك، وتدعوهم ولا يجيبونك، فتقول لهم هذه الأمة التي لم تسمع لصوت الرب ولم تقبل تأديباً، باد الحق وقطع عن أفواههم، جزي شعرك واطرحيه وارفعي علي الهضاب مرثاة، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه'. 'ارميا 7: 28 29'
وبالتالي فإن ''البروبوغاندا'' الإعلامية السياسية الصهيونية الحالية هي جزء لا يمكن فصله عن التاريخ اليهودي الصهيوني القديم والحديث، كما أنها من أسس بناء المشروع القومي الصهيوني العالمي القائم علي بناء وتأسيس إسرائيل الكبري أو إسرائيل التاريخية، الذي يتم توجيهه وإدارته من الولايات المتحدة الأميركية، وعلي وجه التحديد من قبل اللوبي الصهيوني الذي استطاع أن يسيطر علي العديد من المراكز الحساسة في تلك الإمبراطورية، بل أن ينشأ فيها المركز الرئيسي للدعاية الإعلامية السياسية الصهيونية، و ''البروبوغاندا'' الإعلامية الصهيونية في العالم، وذلك من خلال ذلك الكم الهائل من الصحف والدوريات والقنوات الإعلامية الفضائية ومراكز البحث والدعاية وغيرها الكثير من وسائل الإعلام الحديثة.
والعائد للتاريخ يستطيع أن يلمس أن الإعلام العربي لم يكلف نفسه عناء التصدي للدعاية الصهيونية في الغرب في الوقت الذي استطاع فيه الإعلام الغربي إقناع الرأي العام هناك بأن ما يفعله العرب أمر فيه تعصب وعنف وعدوانية، و فوق هذا مناهض للسامية.. وأن إسرائيل هي الحليف الغربي الوحيد في الشرق الأوسط، ولذلك غنمت ما يسمونها بالدولة العبرية مئات المليارات من جيب دافع الضرائب الغربي، وبالذات الأميركي، الذي أعماه إعلامه عن السؤال البديهي: لماذا أدفع من جيبي قوت دولة أخري بيني وبينها آلاف الكيلو مترات؟ وأصبح الفلسطينيون يضطهدون من جانب إسرائيل دون أن يرفع صوت واحد في الغرب لنصرتهم، فصورة الفلسطيني الذي استطاع الإعلام الغربي أن يرسمها في ذهنية الرجل الغربي هي عدواني وغريب ومتصلب وإرهابي وهو بلا شك المتسبب في تعطيل عملية السلام.
إننا إذاً أمام قضية لا يمكن أن ندير رؤوسنا عنها، الإعلام الغربي التي تتحكم في مفاصله الصهيونية، حقيقة مؤلمة في حياتنا السياسية والثقافية ولن تنفع محاولات التقليل من شأنه وقدرته علي الإساءة إلينا.. إنه قوة هائلة، عريقة في النشوء، مذهلة في التطور كاسحة في التأثير تغطي القارات الخمس بلا منازع لتزرع في أذهان الشعوب ما تشاء في الصور، وتدفع بهم إلي ما تشاء من المواقف، لا تبالي في ما تتناوله من أحداث العالم بالعرض والتحليل إلا ما تراه خطأ أم صواباً معبراً عن قناعاتها.
ما العمل إذاً كي يواجه العرب الإعلام الغربي الموجه من قبل الصهيونية، مواجهة عقلانية تمنح دفوعهم مصداقية القبول بعيداً عن انفعالات الكبرياء.
أعتقد أن سبيلنا إلي ذلك أمران: تحصين الجبهة الداخلية من خلال استكمال النقص والإصلاح والحوار المتواصل الهادئ مع الإعلام الغربي علي اختلاف مشاربه. وقد رأينا كيف تعمد الدول الكبري إلي الاستعانة بالإعلام وهي تعد لعمل سياسي ضخم من أجل تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لقبول ذلك العمل وتأييده كما حصل في أفغانستان والعراق، ولن يفيدنا في شيء أن ندفع بالقول إنها حملات مغرضة بل علينا أن نرصد باهتمام مواقف وسائل الإعلام ونفتح معها حواراً صبوراً طويل النفس، هادئاً، نبدأه، بالخصوم قبل الأصدقاء ونتيح لها مداخل الاطلاع علي ما تريد حتي لا يدفع بها انغلاقنا علي النفس لتصورات واهمة واجتهادات خاطئة أو شائعات يروج لها المرجفون.
إن التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية اليوم، تستدعي تفعيل دور الإعلام العربي لينهض بدوره التثقيفي المطلوب، وإن كان هذا الإعلام يمر بمخاض عسير نتيجة ارتباط بعض وسائله في فلك المؤامرة ضد الشعوب العربية التي تقف بوجه المشروع الصهيوني في المنطقة العربية. وبكل الأحوال هنالك جملة عناصر لرسم استراتيجية إعلامية عربية تتمثل في رسم خرائط معرفية للاتجاهات الإيديولوجية في الوطن العربي، ولعل أهمية هذه الخرائط أن تقضي علي التعميمات الجارفة عن العرب والمسلمين التي تصوغها الدوائر الغربية السياسية والثقافية والإعلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.