أدانت دار الإفتاء المصرية ما قام به تنظيم 'منشقو القاعدة' الإرهابي المعروف إعلاميًا ب 'داعش' من تدمير للآثار والتماثيل التاريخية الآشورية بمتحف الموصل بمدينة نينوي بالعراق بدعوي أنها أصنام يجب تدميرها. وأكدت دار الإفتاء في بيان لها أن الآراء الشاذة التي اعتمد عليها 'داعش' في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلي أسانيد شرعية، خاصة أن هذه الآثار في جميع البلدان التي فتحها المسلمون، كانت موجودة ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتي سمحوا بالاقتراب منها، وهم رضوان الله عليهم كانوا أقرب عهدًا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منا، بل كان منهم صحابة جاءوا إلي مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وغيرها ولم يصدروا فتوي أو رأيًا شرعيًا يمس هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة. وأضافت الدار أن الآثار تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع والأمة، لأنها تعبر عن تاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وبالتالي فإن من تسول له نفسه ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تاريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء في بلاده فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي الحنيف. وأضافت الدار إن الحفاظ علي الكنوز الرائعة من الحصاد المادي للحضارة الإنسانية، التي يعود بعضها إلي العصر الإسلامي وبعضها إلي حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، مشدده علي أن الحفاظ علي هذا التراث ومشاهدته أمر مشروع ولا يحرمه الدين، بل شجع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم. وقالت الدار في معرض ردها علي هذه الفتاوي الشاذة التي استند إليها تنظيم 'داعش' الإرهابي إنه يوجد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تنهي عن هدم تراث الأسلاف مستشهدة بالآية الكريمة 'أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد '6' إِرَمَ ذَاتِ العماد '7' الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُهَا فِي البلاد '8' وثمود الَّذينَ جَابُوا الصَّخْرَ بالواد'، وهي الآية التي تؤكد علي ضرورة لفت الأنظار فيما تفوق فيه هؤلاء القوم، وذكرت الدار كذلك حديث الرسول الكريم صلي الله عليه وعلي آله الذي نهي فيه عن هدم آطام المدينة والمقصود بها الحصون. وأشارت الدار أنه عند دخول الإسلام حافظ علي تراث الحضارات والآثار في مصر وبلاد الرافدين ومختلف الحضارات التي سبقت الإسلام وأبقوا علي آثارها حتي وصلت إلينا كما تركوها وأن دعوات التدمير تشير إلي جهل أصحابها. وردت دار الإفتاء علي الآراء المتطرفة التي تدعي أن الإبقاء علي هذه الآثار مُحَرَّم لأنها من ذرائع الشرك ويؤدِّي إلي أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن، حيث أكدت أنها دعوي واهية، لأن الشرع لم يَمنع من مُطْلَق تعظيم غير الله، وإنما يَمنع منه ما كان علي وجه عبادة المُعَظَّم كما كان يفعل أهل الجاهلية مع معبوداتهم الباطلة فيعتقدون أنها آلهة، وأنها تضر وتنفع مِن دون الله، وأما ما سوي ذلك مِمَّا يدل علي الاحترام فهو جائزٌ. وأضافت الدار في ردها أن كون ذلك من ذرائع الشرك، لأنه يؤدي إلي أن يعتقد العوام بَرَكَة تلك الأماكن كما يدعي المتطرفون، فهو مبني علي خَلَلٍ في مفهوم الشرك، موضحة أن الشرك هو تعظيمٌ مع الله أو تعظيمٌ مِن دون الله، ولذلك كان سجودُ الملائكة لآدم -عليه السلام- إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجودُ المشركين للأوثان كفرًا وشركًا مع كون المسجود له في الحالتين مخلوقًا، لكن لَمَّا كان سجودُ الملائكة لآدم -عليه السلام- تعظيمًا لِمَا عَظَّمه الله كما أمر الله كان وسيلةً مشروعةً يَستحق فاعلُها الثواب، ولَمَّا كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا. وطالبت دار الإفتاء جميع الدول والمنظمات المعنية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف أي اعتداء أو تدمير يطول التراث الثقافي أيا كان انتماؤه أو موقعه، مؤكدة علي ضرورة الالتزام والمحافظة علي التراث الثقافي طبقًا للمبادئ والسياسات المقررة بالمواثيق والمعاهدات الدولية والإسلامية. كما طالبت الإفتاء علماء الدين وأئمة المساجد وقساوسة الكنائس أن يكونوا علي قدر المسئولية لتوعيه الناس بضرورة الحفاظ علي تراثهم الحضاري والتصدي للفتاوي الشاذة التي تدعو لهدم الآثار مشددة علي أهمية سن قوانين تحفظ سلامة التراث الحضاري، والتصدي لمن يقدم علي تخريبها.
