أكد الدكتور بطرس بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر أن مصر محصنة ضد آفة الطائفية، وأن الهجوم الذي وقع علي الكنيسة القبطية بالإسكندرية له هدف واحد، سواء كان من قام به من المصريين أو الجماعات الإرهابية من خارج مصر، وهو زرع بذور الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في بلد معروف منذ أمد بعيد بالتسامح الديني. وقال غالي في مقال للرأي نشرته الجمعة صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية علي موقعها علي الانترنت بعنوان "مصر ضد التطرف" إن المسيحيين في مصر يمارسون عقيدتهم بحرية، ويشغلون مناصب قيادية في الحكومة والأعمال التجارية والحياة العامة، ولا يوجد في مصر شيء اسمه "أحياء المسلمين" أو "أحياء الأقليات المسيحية". وأضاف: "تاريخ مصر - علي مدي 1500 عام من التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين والذي يمثل صرحا لبناء دولة مدنية يعود تاريخه إلي أوائل القرن التاسع عشر - طالما كان نموذجا للتسامح الديني في المنطقة"، مشيرا إلي أن هذا الإرث التاريخي تجلي بوضوح عشية يوم 6 يناير الماضي، وهو عيد الميلاد القبطي، عندما تجمع آلاف المسلمين حول الكنائس في أنحاء مصر ليكونوا بمثابة دروع بشرية لحماية جيرانهم وإخوانهم المسيحيين أثناء إقامة قداسهم، وتزامن ذلك مع مظاهرات ضخمة للمسلمين والمسيحيين وهم يحملون القرآن الكريم والصليب في تناغم يرمز للوحدة الوطنية. ونوه بأنه رغم ذلك، لا يمكن أن ننكر أن الأحداث الأخيرة يمكن أن تشكل منعطفا نحو الأسوأ، فالتوترات المتصاعدة بين الطائفتين الدينيتين الرئيسيتين في مصر تهدد بتقويض ثقافتنا التاريخية للتسامح. وأضاف أنه بعدما تمتعت مصر، التي تعد مجتمعا متدينا جدا، من شهرة في مجال التعددية علي مدي التاريخ، بدأ تدريجيا استغلال الإشارات الدينية في مصر بالخارج من خلال تعريف هذا الورع الديني بمصطلحات خاصة علي الفضائيات ومواقع الشبكات الاجتماعية، وذلك بهدف القضاء علي أي معني أو شعور بالهوية الوطنية. وقال الدكتور بطرس بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إن التحسينات التي شهدتها مؤسسات الدولة عززت بالتأكيد من مبدأ المساواة أمام القانون، ونوه بأن المنافسة علي الهوية المصرية تحولت إلي الجانب الاجتماعي والمجتمعي، وقد رافق ذلك للأسف إخفاق من جانب الزعماء الدينيين في التأكيد علي القيم المتطابقة تقريبا في الإسلام والمسيحية بشأن الاحترام المتبادل والكرامة الإنسانية. ولفت إلي أن الحل الوحيد هو تعزيز شعور المصريين بالمواطنة، "وهو هدف لطالما التزمت به بشكل عميق بصفتي رئيسا للمجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي اتخذ بالفعل خطوات جادة لتعزيز الطبيعة المدنية للدولة. وأشار إلي أن الدولة قامت بعمل الكثير، كما يمكن عمل المزيد، وكخطوة أولي يمكن إزالة الحواجز المتبقية أمام بناء وترميم الكنائس، كما يجب علي البرلمان تمرير قانون البناء الموحد لدور العبادة الذي أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان، وذلك في أقرب وقت ممكن. وثانيا، يجب علي الأحزاب السياسية أن تلتزم بترشيح المزيد من المصريين المسيحيين لشغل المناصب التي يتم شغلها بالانتخاب. وثالثا، ينبغي أن تطبق مصر سياسة عدم التسامح مطلقا مع العنف الطائفي، علي غرار تشريع جرائم الكراهية في أمريكا، حيث يمكن لمكتب المدعي العام إنشاء وحدة خاصة لملاحقة أعمال التمييز وغيرها من الجرائم الطائفية بعقوبات صارمة رادعة، وينبغي علي مثل هذه الوحدة أن تقوم أيضا بمراقبة دقيقة للخطب الدينية الملهبة للمشاعر من الجانبين. وقال الدكتور بطرس بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر في مقالته: إن الفهم الأفضل للثقافة القبطية والديانة المسيحية سيعمل علي نشر التسامح وزيادة الوعي بالتاريخ المسيحي الطويل والغني لمصر، كما ينبغي أن تكون هناك مناهج مطلوبة عن التاريخ القبطي في مدارسنا، وأن تقوم وسائل الإعلام بتغطية أفضل للأحداث والمناسبات القبطية. وحذر الدكتور بطرس غالي من أن تقاليد التسامح في مصر تخضع الآن لاختبار من جانب التوترات المتزايدة بالداخل والإرهاب من الخارج، مشيرا إلي أن مصر أبدت مرونة هائلة علي مدي التاريخ، وقال "إنني آمل أن يتحد المصريون معا للتغلب علي آفة التطرف الديني"، منوها بأنها معركة لا يمكن لمصر أو المنطقة أن تتحمل خسارتها. وقد شغل الدكتور بطرس بطرس غالي شغل منصب الأمين العام السادس للأمم المتحدة، كما شغل في وقت سابق منصب وزير الدولة للشئون الخارجية في مصر.