في خطوة إيجابية لوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وفي إطار محاولات إصلاح الجهاز الإداري، أصدرت الوزارة مدونة السلوك الوظيفي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة في أكتوبر الجاري، وعلي الرغم من تأكيد المدونة علي أنها اعتمدت في وضع المواد والنصوص الواردة بها علي خمسة مباديء أساسية هي احترام القانون والحيادية والنزاهة والاجتهاد والكفاءة والفعالية، إلا أنها ومن خلال النظر إلي النصوص والمواد التي نصت عليها، تم تسجيل عدد من الملاحظات التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار. فيما يتصل بحق المواطنين في الحصول علي المعلومات، يتضح أن المدونة لم تقدم تعريفًا محددًا للمعلومات، كما أنها لم تحدد المعلومات التي يتعين علي الجهات الرسمية الإعلان عنها، وبالتالي فإنها لم تؤكد ما ورد في المادة 68 من الدستور المصري بشأن حق المواطنين في تداول المعلومات، حيث جاء في البند 9 من المباديء الأساسية للمدونة، والمواد 12، 19 ما يعني الحفاظ علي أسرار العمل، وعدم إفشاء الأمور التي يطلع عليها الموظف بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها، في حين لم تحدد معني الأمور السرية بطبيعتها، ومن يحدد ما إذا كانت طبيعتها سرية ام يجب الإعلان عنها. كما أن المدونة في نص المادة 19 اعتبرت أن المعلومات الخاصة بالجهات العامة هي معلومات سرية بشكل مطلق، وخالفت مبدأ أن الأصل في الأمور الإتاحة، حيث حظرت علي الموظف العام التصريح او الإدلاء بأية معلومات تتعلق بجهة عمله علي الصحف ووسائل الإعلام، إلا بعد موافقة كتابية من السلطة المختصة، كما لم تحدد المادة كيف يحصل الموظف علي تصريح الإدلاء بالمعلومات لوسائل الإعلام، وما هي إجراءات تقديم طلبات التصريح وعلي أية معايير يمكن أن تقبل هذه الطلبات أو يتم رفضها، وما هي المدد الزمنية اللازمة للبت في هذه الطلبات. كما أن المادة 10 خوّلت للموظف العام مهام توجيه المواطنين لتقديم الشكاوي، الامر الذي يتنافي ومبدأ حيادية الموظف العام، حيث كان ينبغي أن يتم تحديد جهة مستقلة لتلقي الشكاوي والبت فيها وفقا للقانون. أما فيما يتصل بالحفاظ علي الصحة العامة والمال العام، فلم تقدم المدونة تعريفا محدد لهذه المصطلحات، وهنا يقترح أن يتم إصدار قائمة 'افعل، ولا تفعل' بحيث يتم تحديد ما هي الممارسات التي تعد إهدارا للمال العام باعتباره المال المملوك للدولة أو للأشخاص الإعتبارية العامة والتي يتم تخصيصها بالفعل لمنفعة عامة وفقًا لمحكمة النقض. وتري عالم واحد للتنمية، أنه علي الرغم من أن مدونة السلوك الوظيفي قد حددت عددًا الالتزامات التي يتوجب علي الموظف القيام بها في مجال التعامل مع طالبي الخدمة، والعلاقة مع رؤسائة ومرؤوسيه والأجهزة الأخري، إلا أنها لم تحدد في كثير من النصوص الآليات والإجراءات الواجب اتخاذها لتنفيذ الالتزامات الواردة بها، ففيما يتعلق بعدم تضارب المصالح علي سبيل المثال، نصت المادة 15 علي أن يعلم الموظف العام رئيسه المباشر وبشكل فوري في حال تضارب المصالح مع أي شخص في تعاملاته، فيما لم توضح الآليات والإجراءات التالية لإعلام الموظف لرئيسه المباشر بتضارب المصالح، فهل سيتم إسناد المهمة الموكلة لموظف آخر لضمان الحيادية وعدم تضارب المصالح، وما هي الإجراءات المنصوص عليها في حالة لم يتخذ رئيسه أي إجراء حيال هذا الأمر. كما نص البند 4 علي أن من أهداف المدونة تعريف المواطنين بحقوقهم من خلال أخلاقيات السلوك المرغوب فيه ومستوي الأداء المطلوب وبناء علاقة متوازنة بين حقوق وواجبات الأفراد والعاملين، ولكن لم تحدد المدونة كيف تصل بنود وأحكام ومباديء المدونة إلي المواطنين، حيث يجب علي الدولة أن تعلن وعلي نطاق واسع عن ما ورد بمدونة السلوك الوظيفي لتعريف المواطنين وتوعيتهم بالحقوق والواجبات. وتري عالم واحد أنه إذا كانت مدونة السلوك وثيقة يستوجب الالتزام ما جاء بها من تعليمات، وخضوع الموظف العام للمساءلة والعقاب وفقا لقانون الموظفين المدنيين بالدولة، فإنه لا ينبغي أن تأتي الكلمات والعبارات بشكل مطاط أو غامض، فقد نصت المادة 10 علي أنه 'يتعين علي الموظف العام التعامل بروح القانون عند طلب المستندات والأوراق المطلوبة لتقديم الخدمة'، في حين أن هذا البند وبصياغته الحالية، ليست ملزمة بأية حال للموظف بتسهيل او تبسيط الإجراءات، أما المادة 11 فقد نصت علي اتباع النهج الوظيفي القائم علي أساس براءة الذمم وسلامة القصد مع التحلي بنقاء الضمير، وهنا لا يوجد تعريف أو مقياس محدد لعبارات 'سلامة القصد' و'نقاء الضمير'. وتري عالم واحد كان يجب طرح مدونة قواعد السلوك الوظيفي التي أصدرتها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري للمناقشة والحوار المجتمعي، بما يشمل النقابات المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدني المعنية، من أجل الوقوف علي كافة المشكلات التي يتعرض لها المواطن أثناء طلب الخدمة من الجهات العامة، بحيث تكون المدونة متماشية مع الواقع الإداري بكافة القطاعات الرسمية بالدولة.