من المؤكد أن القهوة نشأت في بلاد العرب منذ القرن العاشر الهجري عندما جاء ذكرها في تاريخ ابن العماد ' شذرات الذهب في أخبار من ذهب ' وهو أن أبا بكر بن عبد الله الشاذلي ابتكر صنعها من البن المجلوب من اليمن ورأي أنها تجلب السهر، وتنشط علي العبادة فأرشد أتباعه إلي استعمالها حتي راجت وانتشرت في القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا، ويقال أن تسميتها ترجع إلي كوفا وهي منطقة بالحبشة كان يجلب منها البن، وقيل أيضا معني القهوة هو نقيع البن الصافي ويطلق عليها اسم البن وهو مشتق من البنة أي الرائحة الطيبة، وتعرف القهوة بالبن عندما تكون خضراء أو حبوب جافة، وبعد تحضيرها للشراب يطلق عليها قهوة، وفي الماضي كانت تزرع بالحبشة ثم انتقلت إلي اليمن وبعدها بسبب عوامل عديدة انتقلت إلي أسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، والجدير بالذكر أن القهوة العربية تعتبر مهمة في السمر وإعداد الشعر وإكرام الضيف باعتبارها رفيقة مخلصة وأصيلة في أوقات السهر عند العرب وبما لها من ثقافة خاصة في أدوات إعدادها وتحضيرها وطريقة تقديمها للضيوف في المناسبات والأمسيات المختلفة وبما تحمله من وظائف معنوية وجمالية واجتماعية متعددة، وقد ذكرت أيضا في كتاب القانون في الطب لابن سينا، وسميت قهوة لأنها أثنت شاربها عن الطعام حتي قلت شهوته، كما تعتبر القهوة عند العرب رمزا للكرم والضيافة والتفاخر لأن تقديمها في ثقافة العرب إشارة لتكريم الضيف، ولهذا فقد حظيت عند معديها وشاربيها بالحفاوة والاهتمام، ونسج حول إعدادها وشرابها عند العرب قديما إقامة الأمسيات وإلقاء الشعر وتداول السمر عن أخبار البلاد والعباد وعن الطرائف والعجائب وقصت حولها الكثير من الحكايات والسير الشعبية لأبطال العرب، كما كانت هامة وضرورية في إقامة المناسبات الاجتماعية كإقامة علاقة الصداقة، والنسب والخطبة والزواج، ثم تقديمها في الأحزان أيضا حتي دخلت في عمق ثقافة الحياة اليومية عند العرب، وعند غيرهم من الشعوب الأخري. ولهذا لم يكن غريبا علي المجتمع العربي وبخاصة بلدان الخليج في أن يقوم الباحث / خالد محمد رفيع الملا المهتم بالتراث العربي وعناصره المختلفة في أن ينشأ في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة متحفا هاما وضروريا باسم ' متحف القهوة ' ليكون الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بل وليكون إضافة جديدة وهامة تكمل النقص في متاحفنا العربية وبخاصة فيما يتعلق بعناصر التراث العربي بكنوزه المختلفة وليعبر ويأصل من خلاله علي أصالة القهوة وما يتعلق بها كمظهر من مظاهر الكرم والجود في الضيافة العربية، ولتصح القهوة من خلال متحفه المتميز هذا لها الأسبقية في وجودها وارتباطها بالعرب قبل غيرهم من البلاد الأخري بالعالم وبذلك يكون الملا قد رد الشيء لأصله وأبرز ما للعرب من فضل علي المعرفة والثقافة بالعالم. يعكف مؤسس المتحف خالد الملا هذه الأيام علي وضع اللمسات الأخيرة لمتحفه استعدادا لافتتاحه في الأيام المقبلة، وقد استفدنا في موضوعنا هذا من الكثير من المعلومات عن هذا المتحف من مجلة الإمارات، وعلمنا أن هذا المتحف يسلط الضوء علي تاريخ أبرز وجوه الضيافة العربية الذي يعود لمئات السنين بدعم كبير من هيئة دبي للثقافة والفنون وبتكلفة مادية تقدر ب2 مليون درهم، ويقع المتحف بأحد البيوت القديمة في منطقة الفهيدي التاريخية في دبي، ويتناول المتحف عرض تاريخي لأصول فن تحميص البن وتحضيره منذ اكتشافه للمرة الأولي في أثيوبيا من خلال طريقة عرض متقدمة تبرز الأدوات والأجهزة المستخدمة لهذا الغرض عبر حقب زمنية ترجع إلي مناطق ودول مختلفة، فمن القطع ما يعود إلي نحو 600 عام. يتيح المتحف الذي يشارك فيه إلي جانب الباحث خالد الملا كلا من عضو المجلس الوطني، والدكتورة مني البحر، والدكتورة حصة لوتاه فرصة الاستمتاع بمشاهدة أبرز وأجود الطرق لتحضير القهوة وإعدادها والتي حسب تقنيات العرض تتوزع ما بين المحلية والأثيوبية والمصرية، وعن أشهر أنواع القهوة في مقهات الجلسات والأحاديث العربية الأصيلة، وطريقة تحميص الأنواع المختلفة من البن وعن أسماء أجود الأنواع منذ أقدم وأحدث الأجهزة والآلات التي استخدمت في طرق التحميص والطحن، وعلي هامش المتحف يوجد به متجر صغير يتيح للزائرين اقتناء باقة متنوعة ومعلومات ومطبوعات تتعلق بتاريخ القهوة علي غرار المتاحف المتقدمة بالعالم، كما يوفر المتحف للدارسين والمتخصصين في هذا المجال مختبرا مصغرا لاختبار جودة ونكهة القهوة وتذوقها مع برامج وثائقية وأرشيفية عن القهوة وتاريخها. يضم المتحف ما يزيد علي 400 قطعة متميزة تتعلق بتاريخ هذه الصناعة والتي تم جمعها عن طريق الباحث خالد الملا الخبير في هذا المجال خلال 4 سنوات استطاع جمعهم بعد عناء ومثابرة وعزم من 24 دولة عبر جهد متواصل لكي يؤسس هذا المتحف العربي الأصيل الذي لا يقل بما يحويه عن نظائره في هذا المجال في دول أوروبا وأمريكا الجنوبية، وقد عمل السيد / خالد محمد رفيع الملا أن يبرز المتحف إضافة إلي وظائفه المتعددة أهداف عليا تهدف إلي إبراز جانب مهم من جوانب الثقافة الإماراتية وبخاصة ما يتعلق منها بتقاليد الثقافة والضيافة العربية المرتبطة بالقهوة وأثرها وأهمية وجودها في التراث والشعر العربي، إلي جانب إبراز مكانة إمارة دبي الثقافية والحضارية من خلال هذا الجانب الاجتماعي الهام الذي يعمل علي التعريف بمفهوم التنوع الثقافي والحضاري والسياحي بالمنطقة، ومن أقدم القطع الفنية المعروضة بالمتحف إناء خاص لتحميص البن ويعتبر من أقدم القطع الفنية ويرجع إلي الدولة العثمانية، ومطحنة يدوية قديمة مصنوعة من قذيفة حربية إلي جانب الكثير والكثير من القطع الفنية التي سوف تستوقف زائريها بعد الافتتاح. وقد صمم الملا الطابق الأول من متحفه بالدور السفلي علي شكل مجلس عربي يتيح للزائرين الجلوس والاستمتاع بتجربة شرب القهوة العربية في أجواء مشابهة للواقع الثقافي والاجتماعي والمادي الذي كانت تعد وتشرب فيه، كما جعل لأنواع البن والقهوة المتميزة نصيب في المتحف عندما تم تخصيص ساحته العلوية لمقهي حديث يتيح للزائر تذوق تلك الأنواع التي أصبحت لها باع من الإقبال والرواج الكبير ببلدان العالم. إن هذا الإنجاز الجديد والمتفرد في عالمنا العربي يعود الفضل فيه إلي السيد / خالد الملا الذي استطاع من خلال خبراته الثقافية والفنية والإدارية إنجاز هذا العمل بالاعتماد علي نفسه وعلي مساعدة هيئة دبي لثقافة والفنون في فكرة التصميم الهندسي والفني وطرق العرض ناهيك عن توفير هيئة دبي للثقافة والفنون للمكان التاريخي الجميل في منطقة الفهيدي التاريخية التي ستصبح قريبا منارة فنية وثقافية ونقطة مضيئة تضاف لمتاحفنا العربية وتضاهي متاحف العالم.