منذ افتتاح الإذاعة المصرية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي وهي تقوم بدورها الديني والتاريخي و الثقافي والفني والترفيهي للمصريين وسجلت في زمنها التواصل بين الناس عندما استمتع المصريون وطربوا لسماع القرآن الكريم والابتهالات والتواشيح الدينية من داخل الإذاعة وعلي الهواء مباشرة أو من خلال النقل الحي للإذاعة للاحتفالات والمناسبات الدينية والصلوات ومنها صلاة الفجر والجمعة لأشهر وأعرق القراء الذين عرفتهم مصر وعرفهم العالم العربي والإسلامي، كما استمتع المصريون إلي الطرب الأصيل والمنوع لأشهر الفنانين الذين أثروا الإذاعة بالأغاني الخالدة بكل توجهاتها السياسية والوطنية والدينية والاجتماعية والأخلاقية والعاطفية والتراثية إضافة إلي البرامج الإذاعية الشهيرة، والدراما الإذاعية والدروس الدينية التي شكلت في مجملها حالة من حالات التنوير في حياة المصريين و الدول العربية فحافظت علي الهوية الدينية والوطنية وبخاصة بعد ثورة يوليو وبداية التطوير النوعي في برامج الإذاعة عام 1956 وجهود الراديو وتعدد محطاته التي بدأت تدغدغ مشاعر الدول العربية والأفريقية وتدفعها إلي نيل الاستقلال من خلال بث الخطب الناصرية والأغاني الحماسية واستلهام التراث الشعبي العربي واستلهام أبطالنا العظام من التاريخ لتصدير الإرادة لتلك الدول مما ساهم في استقلالها، ورغم أن الإذاعة قد تقلص دورها بسبب التليفزيون والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها مازالت تؤدي دورها تجاه مستمعيها ومحبيها وبسبب ما تقدمه من برامج دينية وموسيقية ورياضية وسياسية وثقافية عبر محطاتها الكثيرة والمتعددة. وعبر تاريخ الإذاعة نجد أنها ساهمت بدور كبير في إدخال السعادة والفرحة والبهجة في نفوس المصريين وبخاصة في شهر رمضان المبارك عندما كان يحرص القائمين علي الأعمال بها بإشراك جميع الفنانين المتميزين في إخراج أروع الأعمال في شهر رمضان التي تشكل في مجملها تراثا خالدا سيظل محفوظا في أرشيفها عبر الأجيال بسبب جودته وتفاني وإخلاص القائمين عليه واحترامهم لثقافة وتراث بلدهم حتي قدموا لنا خلال تسعين عام تقريبا تلك الدرر والنفائس التي لا يمكن أن تعوض، ومن هذه الأعمال الخالدة التي أكسبت رمضان بالإذاعة التي لم يكن يوجد غيرها للمتعة والترفيه والتثقيف القراءات المتعددة والتواشيح لأشهر المقرئين، كما قدمت الإذاعة الكثير من الأعمال الدرامية والبرامج الفنية منذ أواخر خمسينات القرن الماضي ونذكر علي سبيل المثال المسلسل الإذاعي الشهير ألف ليلة وليلة الذي كان يذاع في شهر رمضان بعد الإفطار وكان من تأليف الكاتب طاهر أبو فاشا الذي كتب خلال 26 عام ما يقارب 800 حلقة أذيعت خلال تلك الأعوام ومازال صداها إلي الآن، كما أخرجها محمد محمود شعبان الشهير ببابا شارو، إضافة إلي موسيقي المقدمة المأخوذة من القصيد السيمفوني شهرزاد للموسيقي الروسي رمسكي كورساكوف التي لحنت بطابع مصري مع أداء المجموعة بمصاحبة الكورس النسائي والتوزيع الموسيقي الجميل للأغنية، كما اشترك في هذا العمل الخالد الكثير من فنانينا الذين تفوقوا علي أنفسهم وأعطوا العمل الإذاعي قيمة درامية فنية عالية لا يمكن أن يضاهيه عمل برغم توافر الأجهزة الفنية والتكنولوجية في السينما والتليفزيون والدليل أنه تم إنتاج الكثير من محاكاة هذا العمل بشكل مرئي لكنه لم يصل إلي القيمة الفنية والنجاح الذي حققته ألف وليلة، ومن منا وبخاصة من جيلنا القديم ينسي الفنانة الراحلة زوزو نبيل بصوتها الإذاعي الذي لا مثيل له عندما كان ينشط الذاكرة والخيال عند المستمع وقيامها بدور الراوي في العمل لربط الأحداث بالحكاية عندما جسدت دور شهرزاد التي تحكي القصص المشوقة إلي الملك شهريار عبر ألف ليلة استطاعت بخبرتها في القص أن تجعل الملك يعتق رقبتها من الموت كل ليلة، ولا ننسي بداية الحلقة التي كانت تهز مشاعرنا أحداثها ' بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد ' ثم تبدأ في الحكاية وتقوم عبر الراديو باستخدام قدراتها التمثيلية والإلقائية الرائعة في تجسيد اللحظات التشويقية والدرامية وتغيير الأصوات ونقلها إلي المستمع، ولإنهاء الحلقة والحكي مع الملك وإنهاء الليلة كانت تعطي الإيحاء باقتراب لحظات النعاس واقتراب آذان الفجر وصوت الديك الذي مازال يصيح ويأذن في أذهاننا حتي يعطيها الفرصة للغد من أجل إكمال الحكاية، كما ارتبط رمضان بالبرنامج الفكاهي الشهير ساعة لقلبك عام 1953 واستمراره لسبعينات القرن الماضي، ويعتبر من البرامج المهمة في تاريخ الإذاعة المصرية لأنه أخرج لنا العديد من أعلام الفن والكوميديا في مصر، وقد شارك في كتابته الفنان عبد المنعم مدبولي، وفؤاد المهندس ومحمد عوض وخيرية أحمد وجمالات زايد، ثم الفنان محمد أحمد المصري الشهير بأبو لمعة، وفؤاد راتب الشهير بالخواجة بيجو، ونبيلة السيد وأحمد الحداد، فمن منا لم يستمع إلي الصور الغنائية والأوبرتات الرائعة شنبو في المصيدة لفؤاد المهندس، وعلي بابا وعوف الأصيل ونعسة وأيوب، شنطة حمزة لعبد المنعم مدبولي، وعلاء الدين، ومعروف الإسكافي، عواد باع أرضه، والمسحراتي، وفوازير رمضان لأمال فهمي وغيرها من الكثير من البرامج والأغاني والمسلسلات الشهيرة التي خصصت لشهر رمضان حتي ضربت الإذاعة المصرية مثالا خالدا في العطاء إلي المستمع في مصر وخارجها وأضفت واقعا وسحرا خاصا في نفوس ووجدان ومحبي الإذاعة خلال شهر رمضان، ومازالت الأجيال المصرية وإلي الآن تقر وتعترف بما أنتجته الإذاعة المصرية من أعمال .