قدّمت شخصيات وطنية من الأردن شهادات حية عن مدينة القدس، التي تحتفل هذا العام باختيارها عاصمة للثقافة الأردنية، مستعرضين تاريخ المدينة المقدسة والمخاطر التي تتعرّض لها جرّاء الاحتلال الإسرائيلي، وإجراءاته التهويدية. اقيمت الندوة أول من أمس في قاعة الرشيد بمجمع النقابات المهنية بالعاصمة الاردنية عمّان، برعاية وزارة الثقافة واللجنة الوطنية العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، استهلها الحاج زكي الغول، أمين القدس، الذي عبّر عن حزنه عما يجري في القدس، قبل أن يستعرض ذكرياته في القدس منذ الطفولة، ومنها عيد العذراء، وأشجار الزيتون، وطقوس رمضان واكتظاظ المساجد بالمصلين فيه، وذكريات المعراج، في القدس التي قال إنها سر إلهي ومهد الطهر والنقاء، ومدينة النور الذي يملأ النفوس الزكية. وأكد الغول أن القدس هي 'موطن للديانة النصرانية ثم للديانة الإسلامية'، مشيرا إلي أنه 'لم يكن لليهودية أي وجود في القدس، ولا في فلسطين، ولا في الأردن'، مؤكداً أن الحفريات 'الإسرائيلية' بحثاً عن آثار للديانة اليهودية في أرض فلسطين تأكيداً لما أورده مدوّنو كٌتاب العهد القديم، لم تثبت لهم أي وجود يهودي في فلسطين. واستعرض المناضل بهجت أبو غربية ذكرياته الشخصية في القدس، ونضال الشعب الفلسطيني ضد قوي عالمية كبيرة، لمنع قيام 'إسرائيل'، علي إثر وعد بلفور الذي قال إنه لم يكن من صنع بريطانيا وحدها، بل كان قراراً عزّزته 21 دولة أخري، إضافة إلي تأييد الولاياتالمتحدة لصك الانتداب المتعلق بمشروع الانتداب البريطاني علي فلسطين من قبل عصبة الأممالمتحدة بتاريخ 6 تموز 'يوليو' 1921 والذي صودق عليه في 24 تموز 'يوليو' 1922 ووضع موضع التنفيذ في 29 أيلول 'سبتمبر' من العام نفسه. وتطرّق أبو غريبة إلي تفاصيل كثيرة عن الثورات التي تميزت بشدتها وعنفها، وعن المقاومة الشعبية الطويلة، وما صاحبها من إضرابات، واجهتها 'إسرائيل' بوحشية من خلال ما هيئته من محاكم عرفية، وما نفذته من إبعاد ومن اغتيالات وتعذيب، معبِّرا عن أسفه لتقاعس العرب عن مساندة القضية، قائلا 'إن كل الاتفاقيات العربية المبرمة مع 'إسرائيل' تضمنت تفريطاً في كل الثوابت الفلسطينية'. وبدأ د.حازم نسيبة، حديثه بسؤال 'كثيراً ما يطرح في المحافل الدولية'، متسائلا بدوره: 'عن أي قدس نتحدث؟' مجيباً علي هذا السؤال بالقول 'القدس في مفهومنا هي القدس العربية الواسعة الموحدة. كانت القدس دوماً أرضاً وعمراناً، وشعباً وتاريخاً'. وعن معالم القدس التي كانت حاضرة فلسطين المزدهرة إبان الانتداب البريطاني، فقد أكد المتحدث أنه يفزعه اليوم كثيراً أن تضيع تلك الحياة التي لم تعد الأجيال تعرف اليوم شيئا عنها، متسائلا عن مصير القدسالغربية التي يسودها صمت عالمي وعربي حول ما يجري من تهويدها علي نطاق واسع. وفي هذا السياق يسرد المتحدث ذكرياته الجميلة في القدس: طفولته، وآذان المساجد، وأجراس الكنائس، والمزارع، والحجاج المسيحيون، والمنطاد الألماني الكبير، وما يسمي خطأً حائط المبكي، فيما التسمية الصحيحة هي حائط البراق، والمعراج، وغيرها من الذكريات الروحية الراسخة. وتناول د.صبحي غوشة الحديث عن القدس التي، 'لا توجد مدينة في العالم تبقي ذكراها عالقة في الذهن مثل القدس'، مستعرضاً مشاهد من أيام الطفولة ومنها ذكري 13 أيلول 'سبتمبر' 1938 التي أثرت فيه كثيراً عندما علم أن القدس قد تحررت من العدو البريطاني، ثم ذكري عودته من الجامعة الأميركية عام 1948 وتفاجئه برؤية سيارات مصفحة 'إسرائيلية' تجوب شوارع القدس، وذكري زيارة الرئيس التونسي السابق حبيب بورقيبة لما تبقي من القدس بعد الاحتلال، وما صاحب تلك الزيارة 'المشؤومة' من مظاهرات، ثم ذكري سقوط القدس في 5/6/1967، وتقاعس الحكومة التي لم تقم بالإعداد الكافي للدفاع عن 'القدس التي سقطت في ست ساعات فقط وليس في ستة أيام'. أما المتحدث رائف نجم، فقد استعرض بعض مشاهداته الأولي في القدس في أيام الطفولة، ومنها مشهد رأي فيه ذات يوم وهو سائر في أحد شوارع القدس، شاب يتاجر بالمخدرات، فسأله مستغرباً 'ألا تخاف من الشرطة؟' فردّ عليه الشاب 'نحن نتعاون مع الشرطة'، أي الشرطة 'الإسرائيلية' التي كانت تشجع علي انتشار هذه الانحرافات في أوساط الشباب الفلسطينيين ضمن حربها الثقافية علي الشعب. ومن المشاهد الحية التي ذكرها المتحدث ما تشهده القدس من حفريات مستمرة، وما يدعيه 'الإسرائيليون' من أن اليهود هم الذين بنوا الأهرامات في مصر، ولذلك يوهمون السياح بأن اليهود يتّبعون نفس الطرق الفنية في نقل الحجارة التي بُني بها الهيكل المزعوم. ليستخلص من هذا المثال أن اليهود لا يقاومون بالقوة فقط بل بالعلم أيضاً، 'هناك علماء يهود خدموا العالم في الطب والتاريخ والسياسة والأعمال'. وأخيراً تطرق د.إسحاق الفرحان في اختصار شديد، لأهمية وجوب إنشاء قسم خاص بالقدس في كل حزب وفي كل مؤسسة جامعية، من أجل زراعة حب الوطن في النفوس. وقد ختم كلمته بجملة من الذكريات الجميلة من طفولته في القدس وزياراته لشواطئ يافا، وأريحا، وما كان يستمتع به من مشاهدات وهو في طريقه إلي هذه الأماكن التي تركت في نفسه حنيناً راسخاً رسوخ القدس العربية في نفوس العرب والمسلمين جميعاً. وكان مدير الندوة عبد الله كنعان طرح أسباب ظاهرة قلة الحضور إلي الندوات، مؤكداً أن النقاش الطويل الذي دار مؤخراً في هذا الصدد أثبت أنّ ثمة عوامل عديدة، ومنها أنّ المواطن مُحبَط ممّا يجري من حوله وفي العالم، من اقتتال وصراعات، ومن إهمال صارخ في حق القضية الفلسطينية، جعله في النهاية يفقد ثقته في الجامعة العربية وفي المؤتمر الإسلامي وغيرهما.