يوم الجمعة من كل أسبوع هو يوم عيد عند المسلمين لما فيه من الخير والبركة والتآخي فيما بينهم بسبب خصوصيته الشديدة في الصلاة والعبادة وبما خصه الله وفضله علي باقي الأيام، عندما أمرنا في كتابه الكريم بقوله: 'يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله 'ص' قال: 'خير يوم طلعت عليه الشمس هو يوم الجمعة ففيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، وعنه الرسول 'ص' قال الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة ورمضان إلي رمضان مكفرات ما بينهم إذا اجتنبت فيهم الكبائر'. ومنذ فجر الإسلام وعبر أزمنة العصور الإسلامية ظل هذا اليوم يوما دينيا عند المسلمين الذين ظلوا يستقبلونه بحب ويؤدون شعائره ويحافظون علي أدائه في كل مساجد الأرض حتي أصبح يتضمن وظائف كثيرة ومنها ما هو ديني مرتبط بالصلاة والدعاء ومنها ما هو معنوي ونفسي مرتبط بالحالة الصحية السليمة عند المسلم لرضاه عن نفسه وتطهره وتبكيره في الذهاب إلي المسجد لسماع القرآن والخطبة ومنها ما هو اجتماعي بسبب تجمع المسلمين في كل منطقة وكل بقعة معا في صفوف متراصة تجمعهم العقيدة تجاه رب واحد ودين واحد بلا تعصب أو عنصرية أو تفرقة أو تشاحن أو بغضاء أو كراهية حتي كاد هذا اليوم يتشابه في مضمونه وقدسيته وحرماته أيام الحج، كما ينطبق عليه ما ينطبق علي ما حرم الله في الأشهر الحرم. وإذا كان يوم الجمعة له شعائر واحتفالية خاصة في بلاد المسلمين فإنه في مصر له عبق خاص عند شعبها، فمساجد مصر تكون عامرة في القاهرة وفي كل المدن والقري لأداء الشعائر الدينية بنكهة خاصة وظل هذا اليوم يجمع الناس علي الطاعة والعبادة وحب الخير والسكينة والأمان وغيرها من الفضائل، أما الآن فقد أصبح هذا اليوم وبخاصة بعد ثورة الثلاثين من يونية وبعد إزاحة الشعب الغمامة السوداء عنه يومًا للتحريض علي العنف والقتل والتخريب والفوضي وترويع الآمنين وزعزعة استقرار الوطن وبخاصة في المساجد التي تنتمي بمسمياتها الغريبة لجماعة الإخوان الإرهابية التي تنتهك حرمات هذا اليوم الذي يسعون خلاله بممارساتهم ليجعلوه يوما لغروب الشمس بدلا من سطوعها متحدين الخالق وذلك عندما حولوا المساجد إلي دور للحرب واستخدموها لتخزين الأسلحة والمواد الناسفة والحارقة والمنشورات التي تحرض علي الكراهية والتكفير والقتل لإخوانهم في الدين والوطن باسم الإسلام متناسين ومتجاهلين حرمة هذا اليوم، كما تأتي كبائرهم في أنهم يدخلون بيوت الله من أجل صلاة الجمعة وهو المعلن، ولكنهم في نفس الوقت يخفون داخل ملابسهم وتحت سجاجيد الصلاة الشر والبغضاء وتأتي الخطب التي يستمعون إليها من شياطينهم محتوية علي التحريض والقتل وعلي السب واللعن وهي صفات تتنافي مع الدين الحنيف، ولا ندري كيف لمثل هؤلاء أن يرجوا الخير والفلاح من صلاتهم وهم الذين يبيتون النية لتخريب الوطن وقتل أبنائه، إن مثل هؤلاء الذين ابتليت مصر بهم لا يدركون أن ساعات الصلاة محرم علي المسلم فيها المعاملات ومحرم عليه فيها المشاحنة والبغضاء والكراهية لأجل أن نكون جميعا وكما أمر الله إخوة متحابين ومجتمعين علي حب الله والوطن، ولكن ما يحدث الآن أن تلك الجماعة الإرهابية قد تجاوزت كل الحدود الدينية والأخلاقية عندما حولت هذا اليوم الرباني والمحبب إلي المصريين لتعاطفهم وتراحمهم فيه إلي جحيم لا يطاق عندما أصبحوا فيه غير آمنين علي أرواحهم وممتلكاتهم بسبب ما يشاهدونه من غدر تلك الجماعة وأياديها التي حصدت أرواح الأبرياء وبخاصة الذين يحرسون هذا الوطن، ولم يكن يوم الجمعة وحده اليوم الذي تنتهك فيه الحرمات بأيدي تلك الجماعة التي كشفت وأعلنت عن نفسها في حربها علي الوطن بل امتدت الحرمات والانتهاكات إلي دور العلم وساحات الجامعات المصرية وهي التي تتشابه مع دور العبادة في قدسيتها لفضل العلم والعلماء وما تزخر به الآيات الدينية والأحاديث وغيرها من المعاني السامية التي تذكر فضل العلم والعلماء ومكانة العالم وعلاقة طالب العلم بهم، ومكانة العلم عندما يسخر لخدمة البشرية، ولكن ما نشاهده الآن من انتهاكات وممارسات غير أخلاقية من جانب بعض الطلبة المنتمين لنفس الجماعة المحظورة قد تخطت الحدود عندما ترك هؤلاء العلم والرسالة التي جاءوا من أجلها وتناسوا الدولة التي حافظت وجهزت لهم تلك الساحات ليكونوا خيرتها في المستقبل أصبحوا يمارسون التخريب والعنف والحرق والقتل فتحولوا إلي مجرمين عاقين لوطنهم متناسين طريق العلم وطريق الخير والهدف الذي جاءوا من أجله بعد أن أصبحوا بتلك الممارسات أشرارًا وغرباء علي مجتمعنا، حتي أصبحنا في مصر نخشي من تلك الأيام بسبب الحرمات التي ترتكب فيها وتثير الرعب والاكتئاب والأسي في نفوسنا ما بين يوم الجمعة وأيام الجامعة، وهي أيام أصبحت لا تحمل لنا إلا الكوارث، ومازالت الدولة برغم ما تقوم به من جهد عاجزة عن أن تتصدي لهذا الإرهاب في الوقت الذي يحلم فيه كل مصري مخلص لهذا الوطن أن ترجع أيامه إلي سابق عهدها من الأمن والأمان والعبادة والعلم والعمل الخير لكل مواطن.