قبل بدء الخليقة بدأت الحرب النفسية بمفهومها البدائي بين إبليس و سيدنا آدم، لينتصر إبليس و يعلن عن بداية الحرب النفسية علي كوكب الأرض، و التي بدأت بنفس المفهوم بين قابيل و هابيل في الآن الذي كان فيه هذا الشكل الشبه دائري لم تُعرف له حدود، لم تُعرف له نهاية محددة كما الحرب النفسية الكونية بالضبط!! و بتطور العصور و اكتشاف القارات و البلاد و مرور السنين و العقود و القرون، بدأت قرون إبليس في النمو ليعلن علي البشرية تطور مشروع الحرب النفسية!! الحرب النفسية كمفهوم و تطبيق مثلها كأي مفهوم له جانبه الإيجابي بالتأكيد، و لكن ما عرفته البشرية هو الجانب الإيجابي النظري فقط لهذا المفهوم!! فطغي مفهومها السلبي!! الحرب النفسية هي الاستعمال المخطط والمُمنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير علي آراء ومشاعر وسلوكيات الآخر 'العدو'، و صُنع الرأي العام و تكوينه بطريقة تسهل الوصول للأهداف، أيضاً هي وسيلة مُساعدة لتحقيق الاستراتيجية العامة للدولة، وتُستخدم فيها كل إمكانيات الدولة الإعلامية كَشِق أساسي، مع بعض الُمساعدات كالإمكانيات الأمنية و العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية و غيرها من القوي التي تتفاعل مع بعضها البعض لتحدد كيان المجتمع و تأثيره علي غيره من المجتمعات. و للحرب النفسية أمثلة لم و لن تُحصي في تاريخ الجنس البشري القديم و الحديث، منها علي سبيل المثال و ليس الحصر فتوحات چنكيز خان التي اجتاحت أغلب مناطق العالم و انتصرت بسبب أعداد المقاتلين المهولة التي لم يُعرف لها بداية أو نهاية إضافة إلي شراستهم التي لن تعرف لها البشرية مثيل، و الحقيقة هي ما أثبتته الدراسات الحديثة التي أجزمت أن أراضي وسط آسيا لا يمكن أن تَعيل أعداداً كبيرة من الناس، خاصة مع الأعداد الخُرافية للمغول التي يُفترض أنها غزت نفس المنطقة. و الحقيقة التاريخية المترتبة أن المغول بنوا امبراطيتهم فقط بإبداع عسكري و قوات مدربة، علاوة علي استخدام الجواسيس و استخدام الدعاية المحترفة التي ادعت خرافية أعدادهم و شراسة طباعهم، مما أدي إلي ما يسمي بالتشتيت و التعذيب النفسي للعدو الذي هُزم ضدهم في المعارك!! و في العصر الحديث شهدت فترة الحرب العالمية الثانية حرباً نفسياً من أكبر الحروب النفسية في العالم، فقد بدأت الحرب بعد أن استطاعت دول المحور المتمثلة قيادتها في برلين و روما و طوكيو أن تقنع شعوبها بالقيام بحرب عدوانية، ثم بدأت بعدها في تفتيت أعداءها نفسياً عن طريق الدعاية السوداء، التي برع الألمان في قيادتها بثلاث وسائل رئيسية: أولاً: سياسياً: عن طريق إقناع دول العالم أنه لا بديل سوي الاختيار بين الشيوعية و الفاشية، لتحديد مستقبله. ثانياً: سيكولوچياً: عن طريق نشر الذعر بين الألمان ليعتقدوا أن فكرة الشيوعية تهدف لتصفيتهم و محوهم تماماً، مما يستوجب محاربتها، ثم نشر حالة من الهلع في العالم كله و بين الشعوب ليصلوا إلي مرحلة الإحباط التي لا يرون فيها مستقبلاً لهم!! ثالثاً: استراتيچياً: بأن تبدوا كل ضحية علي أنها هي الضحية الأخيرة، وبذلك يتقدم الألمان في كل دولة، ثم يستكملوا طريقهم بروح جديدة!! و في الحرب العالمية الثانية ظهرت فكرة الحرب النفسية جلية واضحة من خلال التسابق الإعلامي الإذاعي بين ألمانيا و بريطانيا، و حرب التشويش الشبكية المعروفة حينها. أدركت الولاياتالمتحدةالأمريكية حينها أهمية الحرب النفسية من خلال الدعاية السوداء، فبدأت في شن نفس تلك الحرب من خلال علاقاتها الوثيقة بالصحف العالمية، و عين الرئيس الأمريكي روزفلت منسقاً للمعلومات، و امتلأت إدارته بالخبراء و الأخصائيين الذين تولوا جمع أكبر قدر من المعلومات السياسية و الاقتصادية و الجغرافية. أيضاً أنشأ روزفلت عام 1942 إدارة سماها ب'إدارة معلومات الحرب' لتتولي السيطرة علي الدعاية المحلية و العالمية، و خاصة جهة الغرب... و في السنوات السابقة ظهرت الحرب النفسية في حرب الكويت، و الهجمات الأمريكية علي أفغانستان و العراق، و حرب الكوريتين، و الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و تقسيم السودان، و المؤامرة العالمية لتدمير سوريا، بل و ثورات الربيع العربي بداية من تونس و حتي مصر، التي أشبهها بسيارة من ُصنع القوي الصهيو-أمريكية و تجميع و تقفيل عربي قومي، و المخطط معروف!! 'برنارد لويس'!! و في وقتنا الحالي، و علي المستوي الوطني، فلا يوجد مثال للحرب النفسية أوضح من الصراع الذي حدث بين جماعة الإخوان المسلمين و المؤسسات الأمنية و العسكرية في مصر، و التي كانت تكراراً لذات الصراع بين الرئيس الراحل عبد الناصر و جماعة الإخوان المسلمين، و لكن في شكل جديد!! بعد ثورة 25 يناير خرجت قُوي الإخوان العميلة من جحورها، و استخدمت حربها الشاملة التي بدأت بذرتها عن طريق كل القنوات الاتصالية الممكنة و الغير ممكنة، المشروعة و الغير مشروعة، فكان التأثير علي الشارع المصري عن طريق المدخل النفسي العاطفي البحت، و الروايات حول سنوات العذاب و الإرهاب في المعتقلات و السجون النظامية، و بعد اكتساب تعاطف الشارع المصري مع الغلابة المقهورين، بدأت حرب النفسية عن طريق تطبيق المدخل الديني علي النسبة الغير متعلمة '40%' في المجتمع المصري في قري و أرياف مصر و التي تتميز بتدينها الفطري، ثم تحول هذا التأثير الذي اتخذ وسائل الإعلام طريقاً و باباً له إلي 'هبل'، و نشر للخرافات و الأساطير و وضع تعريفات أقل ما توصف به بأن كوميديتها فاقت إبداع الممثل الكوميدي العالمي تشارلي تشابلن!! من ناحية أخري ظهرت الحرب الباردة بين الإخوان و المؤسسة العسكرية جلية واضحة خلال السنة التي حكم فيها الإخوان مصر بداية من تسليط الإخوان لقنواتها و إعلامييها لضرب سمعة المؤسسة العسكرية و التشكيك في وطنيتها و مروراً بنشر الإشاعات حول أن الفريق عبد الفتاح السيسي من جماعة الإخوان المسلمين، و نهاية بحربهم الإعلامية العنيفة الواضحة ضدهم في نهاية شهر يونية السابق!! و بعد 30 يونية بدأت الحرب الإعلامية النفسية العكسية حيث بدأت كل المؤسسات الإعلامية و أصحاب الرأي في مهاجمة الإخوان و زرع فكرة أن كل من أيد فكرهم و لو عن جهل يجب أن يُحبس و يُقصي، و شرعت علي نشر فضائحهم التي تستروا عليها قبل ذلك مجبرين علي اتباع سياسات الدولة الإخوانية حينها، بل و تقود المؤسسات الإعلامية الآن مدخلاً نفسياً تأهيلياً لزيادة الثقة في الجيش و الحكومة الحالية و قرارتهم سواء كانت سديدة أو غير ذلك. حتي أنا فقد شاركت في تلك الحرب النفسية ضد الإخوان المتأسلمين بعمل سلسلة شرسة من المقالات التي هاجمتهم، بل و فضحت خططهم للمقاومة المسلحة و المدبرة لقوات الأمن قبل فض اعتصامهم التخريبي!! يستاهلوا بصراحة!! من ناحية أخري أدعي أن هناك خطة ممنهجة أخري لتأهيل المجتمع المصري نفسياً للتصويت بنعم علي الدستور الجديد، بدعوي الاستقرار!! بصرف النظر عن قوة الدستور من عدمه!! في النهاية تصبح الحرب النفسية أيا كان مسماها كالحرب الباردة، أو حرب الأعصاب، أو الحرب السيكولوچية أو الحرب العقائدية، أو الإعلامية، أو المعنوية، أو حرب العدوان غير المباشر، هي الحرب الأبدية، و الصراع الكوني الأكبر!! و أتمني أن ندرك معني هذا المفهوم قبل فوات الأوان، و لنعي كلمة الصهيوني 'مناحيم بيغن' في أحد مؤلفاته عندما قال: 'يجب أن نعمل، و لنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سُباتهم، فيطلعوا علي وسائلنا الدعائية فإذا استفاقوا، و وقعت بأيديهم تلك الوسائل، و عرفوا دعامتها و أسسها عندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا و تأييد بريطانيا و صداقة ألمانيا، و عندها سنقف أمام العرب وجهاً لوجه مجردين من أفضل أسلحتنا'!!