كنت أستمع منذ أشهر إلي برنامج الاتجاه المعاكس وورد بهذه الحلقة من تسفيه العرب والمسلمين وتجريدهم من أساليب الرقي والتقدم، ونسبتهم إلي الجهل والتخلف علي يد رجل ممن يزعمون أنهم من أهل التنوير؟!!!!!!!!!! ما دفعني لطرح هذا الموضوع. المهم كان من جملة التهم التي كالها هذا الرجل للعرب ان أمير مصر الأول عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية بامر من عمر بن الخطاب.فهالني هذا الاتهام، ولما كنت منشغلا بالدفاع عن ديني وعن قادته العظام. قلت أطرح علي حضراتكم تفنيدا لهذا الزعم أنقله من كتابنا ' عمرو بن العاص داهية العرب والمسلمين '.، وهذا الطرح أضعه لحضراتكم وقد مضي علي تسطيره أكثر من اثني عشر عاما، وتذكرته الحين عندما سمعت هذا التنويري المزعوم يفوه بهذا الإفك والضلال الذي جري علي لسانه. وهذا نص كلامنا بتمامه عن هذه الحادثة المختلقة: ' يرتبط بفتح الإسكندرية قضية خطيرة من قضايا الفكر الإنساني وهي اتهام عمرو بن العاص بحرق مكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب وقد أشار إلي هذا الاتهام الخطيب البغدادي في كتابه الإفادة والاعتبار بقوله وهو يتحدث عن الإسكندرية وعمود السواري 'وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه'، وقد زاد في هذه القصة أبو الفرج المالطي بن قارون اليهودي في كتابه تاريخ الدول تفاصيل باطلة ومختلقة حيث قال 'كان في وقت الفتح رجل اكتسب شهرة عظيمة عند المسلمين يسمي يوحنا النحوي.... ودخل علي عمرو بن العاص...ثم قال له يوما إنك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وضممت علي كل الأشياء الموجودة بها فنحن أولي به فقال له عمرو ما الذي تحتاج إليه قال كتب الحكمة التي في خزائن الملوكية فقال له عمرو لا يمكنني أن آمر بها إلابعد الاستئذان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكتب إلي عمر وعرفه قول يوحنا فورد عليه كتاب عمر يقول فيه 'وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غني وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه فتقدم بإعدامها فشرع عمرو بن العاص في تفريقها علي حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفذت في ستة أشهر' وهذا القول يحمل في طياته أدلة تنقضه نقضا بينا ومن ذلك: 1- أن المالطي ذكر أن يوحنا النحوي هذا قابل عمرو بن العاص وطلب منه أن يعطيه كتب المكتبة الملوكية وهذا باطل لأن المحققين وعلي رأسهم بتلر قد أثبتوا أن يوحنا النحوي مات قبل فتح عمرو لمصر بحوالي ثلاثين أو أربعين سنة فكيف به يقابل عمرا اللهم إلا إذا كان كاتب هذه الرواية يعتمد في تدوينها علي ما اعتمد عليه صاحبي كتاب ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة من الخيالات والخرافات وربما اعتمد علي أهل الفسق والباطل. 2- أن المالطي ذكر أن الكتب التي طلبها يوحنا من عمرو هي كتب المكتبة الملوكية وهذا وهم لأن المكتبة الملوكية تم تخريبها في عهد يوليوس قيصر سنة47ق م عند إغارته علي الإسكندرية وقد ذكر ذلك المؤرخ اليانوس مارسيلينوس وأيده أوزارزيوس الذي زار الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي وشاهد رفوف المكتبة خاوية. 3- أن المالطي أشار إلي شئ مدهش لا يقبله من كان لديه مسكة عقل وهي أن الكتب ظلت وقود للحمامات ستة أشهر ولا أدري أي كتب هذه التي تظل وقودا هذه المدة الطويلة. إن العاقل اللبيب إذ أوقد أمامه حجرة ممتلئة بالكتب لا يسعها أكثر من سويعات حتي تباد عن آخرها اللهم إلا إذا كانت هذه الكتب من الطراز الخشبي ذات الجلد والورق الخشبي. كما ينفي ما ذكره المالطي أيضا أن الكتب كانت مكتوبة علي الكاغذ والرق اللذان لايصلحان للوقود. 4- أن هذه القصة لم يروها أحد من المؤرخين الثقات من أمثال الطبري والكندي وابن عبد الحكم بل إن أول ظهور لها كان في القرن السابع الهجري مما يشير إلي اختلاق هذه الرواية وتوليدها من قبل أهل الباطل أعداء الملة المحمدية. 5- أن القفطي ذكر أن عدد هذه الكتب '50120' كتابا فكيف يستخدم هذا العدد في إيقاد الحمامات ستة أشهر؟! 6- أن الرواية ذكرت أن الخليفة عمر بن الخطاب أمر بإحراق هذه الكتب. فلو كان هذا صحيحا ما عظم علي عمرو بن العاص التخلص من هذه الكتب إن كان لها وجود في أقل من يوم بذكائه المعهود وما تركها ستة أشهر لتكون بذلك عرضة النهب والسرقة من قبل من يريد أن يحصل عليها. 7- أن عمر بن الخطاب هو الذي قال لا يستقيم أمر الإسلام إلا بمعرفة أمر الجاهلية فكيف به يدعو للوقوف علي أحوال الجاهلية بكل ما تحمله من سلوكيات وفكر وخلافه لمعرفة فضل الإسلام وعظمته ثم يدعو إلي الاعتداء علي رمز من رموز الماضي إن كان ذلك حقا. 8- أن نصوص المعاهدة التي وقعت بين المسلمين والروم سمحت للروم أن يرحلوا خلال أحد عشر شهرا علي أن يحملوا معهم نفائسهم وأموالهم. فهل ياتري لوكانت هناك مكتبة نفيسة بالوصف الذي ذكره المالطي والبغدادي كان الروم سيتركونها؟!! أظن أنه من خلال هذا العرض قد ظهر الحق وانكشف، وبطل الباطل وذهب إلي غير رجعة وبالله تعالي التوفيق.