أن هؤلاء يرومون إلي سيطرة حزبهم علي أجهزة الدولة وأخونتها وصولا لتأسيس دولة دينية تنأي بنفسها عن كل شكل من أشكال الديمقراطية ليكون شعارها: العنف في حل الأمور السياسية أو معالجتها، وليس علي الإطلاق إشاعة العدل والقانون واحترام آراء الآخرين وعدم استخدام العنف لفض المشاكل وسوء التفاهم بين المتحاورين وأصحاب السلطة عموماً... وليتوالي علي هذا النحو وبشكل مؤكد مسلسل العنف والعنف المضاد الذي سيدفع حتماً بمصر وطناً وحكومة وشعباً إلي لجة الهاوية. أن هوية المهاجمين بدأت تتضح معالمها أمام جهات الأمن المعنية بمتابعة ملف أحداث سيناء وهي عناصر جهادية تضم أشخاص من سيناء وآخرين من محافظات مصرية مختلفة إضافة إلي فلسطينيين بعضهم هارب من قطاع غزة وآخرين متسللين حديثا إلي سيناء عبر الأنفاق وهم يتّبعون جماعات جهادية تنشط في قطاع غزة ومن بين العناصر جنائيين شديدي الخطورة. وعاد مجددًا مسلسل خطف الاقباط وتعرض قبطي يدعو 'مينا المعلم' للأختطاف علي يد مسلحين مجهولين أثناء تواجده أمام محله بشارع أسيوط في العريش وبحسب شهود العيان فإن المسلحين اقتادوه في سيارة خاصة إلي جهة غير معلومة وكان قبطيين قد لقيا مصرعهما قتلا علي يد مجموعات مسلحة خلال هذا الشهر بمدينتي العريش والشيخ زويد أحدهما رجل ديني أطلق عليه مسلحون النار أمام منزله بالمساعيد وأردوه قتيلا وآخر تم ذبحه بعد اختطافه لمدة ثلاثة أيام ثم القيت جثتة بمقابر الشيخ زويد.ونتيجة لذلك.. أعلنت أمس أعداد كبيرة من أسر الاقباط في العريش أنها ستغادر المدينة لحين عودة الأمن فيها واقتصرت الصلوات علي كنيسة واحدة في العريش في حين خلت مدينتي الشيخ زويد ورفح من المسيحيين. وضربت يد الأرهاب في سيناء استقرار عشرات الأسر وتسببت في نزوحهم من ديارهم إلي مناطق أخري وقال محمد عليان من أهالي مناطق المزرعة بجنوب العريش 'المنطقة لم يعد العيش فيها آمنًا حيث يحضر إليها يوميا المسلحين للاختفاء في أشجار الزيتون وتلاحقهم الطائرات بالنيران ونحن نصبح في مرمي النار'.'ما يجب الالتفات له هو اتفاقية كامب ديفيد التي تجعل من حدودنا مع العدو الاسرائيلي مُهَلهلة وتجعل من سيناء ساحة خالية لحربٍ خفية تشترك فيها كل إدارات العالم سواء عربية أو صهيونية أو حتي إيرانية، فإن إلغاء اتفاقية كامب ديفيد وإعادة النظر في ضبط الحدود وتمكن القوات الأمنية في السيطرة علي الداخل والخارج تجعل من الوضع أكثر استقرارًا، مع وضع قضية غزة في الاعتبار بأن يُفتَح أكثر من معبر تجاري بين غزة ومصر بقرار ثوري عربي مصري فلسطيني، يسمح لتجارة حرة علنية بين العالم وغزة عن طريق رفح، وإغلاق تام للأنفاق وتفعيل عقوبة التسلل إلي حد السجن المؤبد لأي من المتسللين سواء من الجانب المصري أو الجانب الآخر الفلسطيني'. وعلي الرغم من اختلاف ملابسات التمدد السرطاني للجماعات الدينية المتشددة منذ نهاية السبعينيات مع ما يجري حاليا، إلا أن حالة الانهيار الخاطف لمشروع تيارات الإسلام السياسي في مصر، وشيوع أجواء من الإحباط لدي المناصرين لهذا المشروع بعد الانتكاسة التي تعرض لها بنهاية حكم الإخوان لمصر، يمكن أن تكون عاملا موضوعيا لعودة العنف المنظم علي غرار ما شهدته مصر منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي والتي رسمت ملامحه بجلاء عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. ومن خلال تأصيل مراحل نشوء وارتقاء جماعات العنف الديني في مصر، يمكننا رسم سيناريو ربما يكون أقرب إلي الدقة لما يمكن أن تشهده الساحة المصرية خلال الفترة القادمة من أعمال عنف منظمة تستند إلي مرجعية دينية متشددة، علي الرغم من شيوع أجواء التفاؤل بقرب انزواء تلك الجماعات المتشددة، مع استمرار الضربات الأمنية الموجعة بالإضافة إلي تجفيف منابع التمويل لها، خاصة مع اعتقال قيادات الصف الأول لها. فقد شهدت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نمو سريعاً وواسعاً للجماعات الإسلامية الجهادية في مصر، في شكل ثلاث تنظيمات رئيسية هي الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة، حيث كانت الجماعة الإسلامية أكثرها نفوذاً وأوسعها انتشاراً، حتي قدر البعض عدد أعضائها نهاية التسعينيات بما يقرب من 40 ألف عضو، في حين يأتي في المرتبة الثانية تنظيم الجهاد الذي بلغ عدد أعضائه في نفس الفترة ما يقرب من 6 آلاف عضو، وأخيراً تنظيم التكفير والهجرة الذي يعتبر الأصغر بالمقارنة مع الجماعتين السابقتين حيث بلغ عدد أعضائه ما يقرب من ألفي عضو. وعزا باحثون ومراقبون وخبراء أمن هذا النمو السرطاني لجماعات العنف الديني منذ نهاية السبعينات لجملة من العوامل، أهمها انزلاق جيل كامل من المصريين إلي حالة من اليأس والإحباط والغضب، مع انهيار المشروع القومي عقب هزيمة السادس من يونيو عام 1967، ناهيك عن فجاجة التحولات التي شهدتها البلاد وموجات الهجرة إلي دول الخليج، بالإضافة إلي القبضة الحديدية التي أدت إلي قمع وتهميش المعارضة السياسية، وهو ما أنتج ظاهرة الأحزاب الكرتونية عديمة التأثير في الشارع والتي تستخدم كعامل مكمل للديكور الديمقراطي. ومع تصاعد معدلات الفقر والقهر في الريف 'خاصة الصعيد' وانتشار الثقافة الدينية المسطحة والمتشددة في آن واحد، خاصة بين سكان العشوائيات النازحين من الريف تحت وطأة الفقر بحثاً عن فرصة للحياة، وتراجع اليسار المصري الذي اختار الاندماج مع الدولة الناصرية سواء عضوياً أو فكرياً، وتفكيك جماعة الإخوان المسلمين خلال الحقبة الناصرية، أصيبت الساحة السياسية المصرية بحالة من الفراغ المميت، سرعان ما تقدمت الجماعات الإسلامية الجهادية لاحتلاله، حيث كانت الأرض ممهدة سياسياً واقتصاديا واجتماعياً. تميزت جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها من القوي السياسية المعاصرة بعلامتين مميزتين أساسيتين: البيعة والجهاز السري. وقد بايع الأتباع إمامهم بيعة كاملة في المنشط والمكره، وعاهدوه علي السمع والطاعة، ولم يكن حسن البنا يخفي ذلك علي الناس، فهو لم يكن يقبل منهم بأقل من السمع والطاعة، دون نقاش. فيقول: 'يجب علي الأخ أن يعد نفسه إعداداً تاماً ليلبي أمر القائد في أية ناحية، إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنوداً طائعين بقيادة موحدة، لنا عليها الاستماع للنصيحة، ولها علينا الطاعة، كل الطاعة في المنشط والمكره' وأيضاً 'يتعين علي العضو الثقة بالقائد والإخلاص والسمع والطاعة في العسر واليسر'. فمنذ البداية دب الخلاف في شعبة الإسماعيلية، وحاول البعض التمرد علي البنا وأبلغوا النيابة العامة ضده في مخالفات مالية، فكان رد فعل البنا عنيفاً، فقد جمع عدداً من أتباعه حيث 'اعتدوا علي المخالفين بالضرب'.ويعترف البنا بذلك ويتباهي به ويبرره بأن 'المخالفين قد تلبسهم الشيطان وزين لهم ذلك، وأن من يشق عصا الجمع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان' ويتأسف البنا علي رفض البعض لضرب المخالفين وردعهم قائلاً: 'إننا قد تأثرنا إلي حد كبير بالنظم المائعة التي يسترونها بألفاظ الديموقراطية والحرية الشخصية'. أما العلامة المميزة الثانية فهي الجهاز السري الذي مارس عمليات إرهاب وقتل – كانت البداية والنموذج والقدوة للإرهاب المتأسلم. وقد تدرج الفكر التنظيمي لحسن البنا في سلاسة ويسر ليصل إلي هذا الهدف غير المعلن، فبدأ 'بالجوالة' بهدف تعويد الإخوان علي النظام شبه العسكري، وتدريبهم علي الطاعة التامة والتفاني المطلق. ولقد أنكر البنا طويلاً أنه يوجد ثمة جهاز خاص، ونفي ذلك نفياً قاطعاً، بل لقد وصف القائمين بأعمال النسف والتفجير والقتل عام 1948 – 1949 بأنهم 'ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين'وظلت الجماعة علي إنكارها لوجود الجهاز الخاص حتي برغم اعترافات عشرات بل مئات من أعضائه أمام محكمة الشعب، وقيل ساعتها أنها أكاذيب أمليت وترددت تحت وطأة التعذيب ثم لا تلبث الحقيقة أن تظهر عندما يتنافس رجال الإرهاب الإخواني القدامي في كتابة مذكرات يحاول كل منها أن ينسب إلي نفسه أكبر قدر من القتل والإرهاب.. فكانت مذكرات صلاح شادي – أحمد عادل كمال – عبد المنعم عبد الرؤوف – محمود الصباغ. وقد اعترفوا جميعاً بأعمال إرهابية بشكل مثير للدهشة، لأنهم تحدثوا في تباه وتمجيد للفعل الإرهابي، مؤكدين انتسابهم إلي الجهاز السري والتزامهم بصيغته وأهدافه.