عادت الأضواء تتلألأ فوق جبل المقطم، وتحديدا أعلى جدران قلعة صلاح الدين، لتضفى على أجوائها الأثرية سحرا خاصا، وبدلا مما شهدته قديما من دماء مذبحة المماليك المدبرة من قبل محمد على، صارت تشهد عيدا فنيا، وعرسا ثقافيا، تقيمه دار الأوبرا المصرية منذ عام 1989 وحتى الآن، فى موعد سنوى يترقبه شعب مصر، ويحمل اسم مهرجان القلعة للموسيقى والغناء. لقد نجحت معالى وزير الثقافة إيناس عبد الدايم فى تحويله إلى مهرجان دولي، تشارك به فرق من دول عربية وأجنبية لإثرائه بألوان مختلفة من الفنون، مما جعله ملتقى عالميا على أرض مصر، وتتعاون وزارتا الآثار والثقافة لإظهاره بالشكل اللائق بمهد الحضارة والتاريخ، ولا يخفى على أحد الدرب الذى تتبعه دار الأوبرا للوصول إلى كافة الطبقات الاجتماعية، من خلال بيع التذكرة بسعر رمزى لتيسير حضور الجمهور الذى يصعب عليه الذهاب إلى مسارح دار الأوبرا. إن المهرجان ملاذ البسطاء، ينتظرونه بكل شغف وشوق للاستمتاع بفن راقٍ، وإذا كان الإقبال الجماهيرى مؤشرا دالا على نجاح المهرجان، فإن قدرة مسئولى الأوبرا برئاسة الدكتور مجدى صابر خلال السنوات الماضية على إقناع المزيد من كبار النجوم مثل هانى شاكر، عمر خيرت، الحجار، الحلو، خالد سليم، نادية مصطفى، ومدحت صالح، وغيرهم بالانضمام والمشاركة هى دلالة أخرى على قيمة المهرجان ومكانته. لقد أثبت مهرجان القلعة أن اتهام المصريين الكادحين (الشقيانين) بضحالة الثقافة، وتدنى الذوق، وتفضيل أغاني(المهرجانات) والموسيقى (النشاز) المزعجة، والرقص ب(السنج والمطاوي)، فيما عرف بثقافة (التوكتوك)، هو اتهام زائف، وادعاءات باطلة، يبرر بها (مدعو الفن) ما يقدمونه من ضوضاء، واسفاف يصفونه بالفن الشعبي، ويلصقونه بالجمهور عنوة، ليعلن جمهور القلعة بحضوره أنه ذواق للفن الجميل، ويقبل عليه إذا سمحت له ظروف الحياة. وتجدر الاشارة إلى المجهود المضنى الذى يبذله فريق العمل بدار الأوبرا المصرية لفرض الأمن والنظام والانضباط، والسيطرة على جموع مكتظة قد ينقصها أحيانا الوعى بضوابط ومعايير حضور الفعاليات خاصة بالمناطق الأثرية، فتحتاج إلى توجيه يستلزم اللباقة وضبط النفس ممن يوجهها، مع الحرص فى الوقت نفسه على توفير سبل راحة الجمهور وإرضائه، وهو ما يتم على الوجه الأكمل. مازلت أكرر أن دار الأوبرا المصرية هى قلعة الفن الراقي، وآخر حصونه، وستظل تحمل رسالتها الثقافية لحماية تاريخ هذا الوطن وإبداع أبنائه.