تجازف ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما بتوجيه رسالة خاطئة الي ايران في وقت تراقب الجمهورية الاسلامية عن كثب النقاش الجاري في الولاياتالمتحدة، وما يواكبه من خلافات بشأن مسالة توجيه ضربة عسكرية الي حليفها الرئيسي سوريا. وقال وزير الخارجية الاميركي جون كيري في مرافعته من اجل تحرك عسكري ضد سوريا لاتهامها بشن هجوم كيميائي اوقع مئات القتلي في 21 آب بريف دمشق، بءنّ علي اميركا والعالم ان يوجها تحذيرا لايران وغيرها بأنّهما لن يغضا الطرف عن استخدام اسلحة غير تقليدية. وقال كيري متوجها الي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: 'إنّ إيران تأمل بأن نحوّل انظارنا باتجاه آخر'، داعيا الي دعم ضربة 'عقابية' لسوريا. وأضاف: 'ان عدم تحركنا سيعطيهم 'الايرانيين' بالتأكيد اذنا بأن يخطئوا في نوايانا علي اقل تقدير، ان لم يكن اختبارها'. ويتّهم الغرب طهران بالسعي لحيازة قنبلة نووية تحت ستار برنامج مدني، الامر الذي تنفيه ايران باستمرار. وباتت الازمة في سوريا تتقدّم تحديات السياسة الخارجية التي يواجهها الرئيس الايراني الجديد المعتدل حسن روحاني الذي اثار انتخابه املا بان تتبني ايران في ظل ولايته التي تستمر اربع سنوات نهجا بناء اكثر في المفاوضات المتعثرة حول البرنامج النووي الايراني. وقال روحاني بأنّ بلاده ستقوم 'بكل ما يمكن لتفادي' هجوم علي النظام السوري، بحسب ما نقلت عنه وسائل اعلام ايرانية، فيما قال المرشد الاعلي للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي ان واشنطن وحلفاءها يستخدمون 'الاسلحة الكيميائية ذريعة' لمهاجمة سوريا. غير ان المحللين يرون ان هذه التصريحات تعكس موقف طهران التقليدي بأنّها ضحية مع حلفائها لمؤامرة غربية، وتخفي الجدل المحتدم الجاري حاليا داخل الاوساط السياسية حول الموقف الواجب اعتماده حيال سوريا والاسد. وذكّرت الباحثة في معهد بروكينغز سوزان مالوني بأنّ العديد من الايرانيين ما زالوا متأثرين بشكل عميق بتجاربهم مع الاسلحة الكيميائية التي اطلقها عليهم الدكتاتور العراقي صدام حسين في الثمانينات في خضم الحرب الايرانية العراقية، غير انها لفتت الي 'ريبة عميقة حيال اميركا' لا تزال تسيطر علي ايران. ورغم ذلك قالت بأنّ هناك اقرارا بأنّ 'بشار لم يعد الحليف المعهود.. بسبب تدهور الوضع في البلاد وبسبب وحشيته التي لا يمكن انكارها حيال شعبه'. وقالت الباحثة بأنّ هناك منذ انتخاب روحاني احساسا بوجود 'فرصة جديدة' متاحة لايران من اجل الخروج من عزلتها الدولية والايرانيين 'لا يريدون ان يغرقوا مع السفينة السورية'. غير أنّ ضربة اميركية لسوريا قد تخفق في نقل الرسالة التي ترجوها ادارة اوباما بأنّ الرئيس يعتزم فعليا وضع حد لانتشار الاسلحة النووية والكيميائية. وقال مايكل سينغ المسؤول في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادني: 'ان لم يكن التأثير هاما علي مجري النزاع في سوريا، فانني لا اعتقد ان الرسالة ستكون قوية جدا'، مشدّدا علي ان عدم التحرك او الاكتفاء بتحرك رمزي قد يترجم علي انه 'تهديدات فارغة بشكل اساسي'. وأضاف: 'يمكنكم متابعة المناقشات الجارية الان بين الكونغرس والبيت الابيض وهي لا تعطي انطباعا بما يشبه التصميم القوي او الرغبة في التدخل في نزاعات في الشرق الاوسط'. واستبعد كريم سجادبور الباحث في معهد كارنيغي انداومنت فور انترناشونال بيس ان تؤدي اي ضربة عسكرية اميركية الي اقناع ايران بالتخلي عن طموحاتها النووية. وقال: 'ايران تسعي لامتلاك قدرة علي انتاج اسلحة نووية بكثير من التصميم. سواء قصف الرئيس اوباما سوريا ام لا، لا اعتقد ان ايران ستبدل فعلا خطها'. وتعليقا علي التحالف السوري الايراني قال سجادبور: 'الاسد قد يكون رجلا سيئا بنظر القيادة الايرانية، لكنه رجل ايران. وان خسرته، فسوف تخسر حليفها الوحيد الذي يمكنها الاعتماد عليه في العالم'. وتبقي سوريا ذات اهمية استراتيجية حيوية بالنسبة لايران اذ تشكل طريقا لنقل المساعدة الي حزب الله وحماس. وقال سينغ: 'ان الضربة الاميركية المحتملة ستكون لها عواقب هامة بالنسبة لايران، فهي بالمقام الاول تهدد نفوذ ايران علي سوريا ودخولها اليها ما سيشكل ضربة استراتيجية للايرانيين'. ويترقّب العالم اول ظهور لروحاني علي الساحة الدولية حيث يشارك هذا الشهر في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك. وستكون جميع الانظار موجهة اليه لتبيان اللهجة التي سيعتمدها بعد الخطاب الهجومي لسلفه محمود احمدي نجاد. لكن من غير الواضح الي اي مدي يملك هامش تحرك في ملف السياسة الايرانية حيال سوريا الذي يبقي تقليديا بين ايدي الحرس الثوري الخاضع مباشرة للمرشد الاعلي خامنئي الذي يمسك ايضا بالملف النووي. ورأي ستيفن والت الاستاذ في جامعة هارفرد في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي ان الازمة السورية قد تكون فرصة امام الولاياتالمتحدة للتواصل بشكل انشط مع ايران، ربما من خلال الموافقة علي مشاركتها في مؤتمر جنيف 2 المزمع عقده لبحث النزاع في سوريا. وكتب والت: 'ان ايران ستحقق رغبتها المزمنة في ان يتم الاعتراف بها علي انها لاعب اقليمي اساسي 'وهي كذلك مهما حاولت الولاياتالمتحدة ادعاء العكس''. وتابع: 'ان اميركا سوف تعطي ايران فرصة للعب دور بناء' مثلما فعلت في افغانستان عام 2002 بعد سقوط نظام طالبان وسيكون ذلك 'وسيلة لمكافأة الموقف المعتدل' الذي يعتمده روحاني.