في حياتنا العامة اتجهنا لكل ما هو جاهز واعتبرنا »التفصيل« موضة قديمة لا يتمسك بها الا أصحاب الحاجة أو المضطرون لها تحت ضغط ظروف معينة.. وفي العهد الذهبي للأندية كان بناء الفرق الرياضية يعتمد علي »التفصيل« من قماشة المراحل السنية الأدني فخرجت أجيال من الموهوبين في الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري والاتحاد والاتحاد والمحلة ملأت حياتنا الرياضية ثراء ووضعت نظام القطبية الرياضية في حجمه الطبيعي ومساره الايجابي بدون قرصنة علي الاندية الاخري التي ظلت تنعم بالعافية والحضور القوي في البطولات. وانتهي بنا الحال في العهد الحالي إلي استسهال البناء الجاهز.. فتغير مسار »قطبية« الأهلي والزمالك وأصبح نمولا يفترس الأندية الأخري ويكدس النجوم وينهي حياتهم الرياضية ما بين دكة البدلاء والاعتزال فضاعت الأندية الجماهيرية في الأقاليم وتدهورت وتعرضت للاندثار أو الانهيار عندما صاحب ذلك أزمة مالية كبيرة فرضتها متطلبات الاحتراف.. فما ان يظهر نجم في منطقة القناة أو الدلتا أو حتي الصعيد حتي تعرف مصيره مقدما ولا نتوقع بقاءه في مكانه أكثر من الموسم الذي نبغ فيه.. وترسخت هذه السياسة بسبب ضعف اتحاد كرة القدم وافتقاده الاستقلالية والوطنية وعدم تقدير خطورة انهيار صناعة النجوم في الأندية وتحولها إلي سوق يسير وفق منطق سيادة القوة المحمية بالاعلام والجمهور. وعندما قدم لنا الزمالك تجربته المتميزة في نهاية الموسم الماضي ودفع بمجموعة من الشباب الموهوبين، كان في الحقيقة مجبرا علي ذلك لانه لم يملك القدرة علي البناء الجاهز لفريقه واضطر ان »يفصل« بسرعة فريقا جديدا ومن حسن حظه ان نجحت التجربة مصادفة.. وهو مستعد الآن ان يتخلي عنها لو واتته الفرصة لكي يتسعين بالبناء الجاهز من الناحيتين المالية والإدارية.. ولان الزمالك الآن لا تتضح فيه الصورة بشكل متكامل فيما يخص مؤشرات الموسم القادم من ناحية الصفقات الجديدة التي يبني بها فريقا جاهزا، فان المتاح أمامنا ان نتحدث فقط عن بناء يعتمد علي تفصيل فريق من مراحل الناشئين. أما الأهلي.. فقد جذبته تجربة الزمالك خاصة عندما اصطدم أيضا بأزمة مالية وتحولات أخري كبيرة أبرزها رحيل مانويل جوزيه الذي لم يكن يؤمن أبدا بالبناء المرهق له الذي يتطلب مغامرة وارتضاها حسام البدري ونجح بها. الا ان هذا الانجذاب لم يكن ترجمة لتغيير فكر وسياسات كما ظن الجمهور وقطاع من الاعلام والخبراء.. بدليل انه من السهولة الآن ان نرصد التردد الذي تعانيه لجنة الكرة والجهاز الفني بين الجاهز والتفصيل.. يستطيع الأهلي ان يمرر هذا الموسم بأي وضع مستعينا بعدد من الناشئين إلي جانب الكبار الذين يدخلون ويحترجون من التشكيلة الأساسية حسب ظروفهم الصحية والبدنية ومتطلبات السن.. بل ان عملية الخروج والدخول تمتد إلي الشباب أيضا حسب المقدرة علي المشاركة.. ولكن هذا يتناقض مع متطلبات بطل يبحث عن الألقاب ولا يعترف الا بالحقيقة الثانية التي تعطي أهمية كبيرة لثبات التشكيل بعناصر لا نظير لها في الأندية الأخري وفق نظرية دعمها ودافع عنها جوزيه وحقق بها حجما هائلا من الارقام القياسية الي ان فقدت واقعيتها بمرور الزمن واستنفدت اغراضها ووجد ان تجديدها وتطويره والابقاء عليها يحتاج فترة زمنية ليس مستعدا ان يفقد فيها الأرض التي كسبها علي مدار سنوات طويلة. تخيل الكثيرون ان الأهلي سيبني فريقا من الداخل عندما »ضخ« الجهاز الفني اعدادا كبيرة من الصاعدين لفتوا الانتباه في بداية الموسم وأيضا لفتوا الانتباه لحسام البدري.. واقترب التخيل من الواقعية عندما ترك الأهلي فترة الانتقالات الشتوية تمر بهدوء وبلا صفقات إلي ان ثبت بالأحداث والتحركات ان الإدارة جعلت هذا الموسم مجرد استراحة محارب وان السياسة لم تتغير.. فالبناء سيتم بالطريقة المعتادة نجوم جاهزون وافدون وصاعدون جيدون مؤقتون.. والدليل علي ذلك قائمة المطلوبين من خارج النادي.. جدو وحسني عبدربه وجمال حمزة ووليد سليمان وعبدالحميد شبانة وحسام غالي اضافة إلي واحد من الثوابت وهو ضرورة وجود مهاجم افريقي متميز.. هذا العدد وبهذه النوعية يدحض دعاوي تغيير السياسة والعودة إلي نظام التفصيل.. ويؤكد ان مظاهر الاهتمام باللاعبين الصاعدين مجرد حالة طارئة اضطرارية واستسلام لأمر واقع فرضته مرحلة انتقالية لم يتم التخطيط لها مبكرا.