عن سيدنا الإمام أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه انه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم »من قلد القضاء فكأنما ذبح بغير سكين« صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. وعن الإمام عبدالرحمن الأشعري قال: »ويل لديان أهل الأرض من ديان أهل السماء يوم يلقون إلا من أم العدل وقضي بالحق ولم يقض لهوي أو لقرابة ولا رهبة ولا رغبة وجعل كتاب الله تعالي مرآة بين عينيه«. وعن الإمام ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم »القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل علم فقضي بما علم فهو في الجنة ورجل جهل وقضي بالجهل فهو في النار وقاض علم فقضي بغير ما علم فهو في النار« صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: »لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتي يتبين له الحق كما يتبين الليل من النهار« فبلغ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال صدق أبو موسي. ذلك ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: »اذا علمت مثل فج الشمس فاشهد وإلا فدع« فإذا كان ذلك علي الشاهد واجبا فعلي القاضي أولي وهذا في محل النص لأن النص دليل مقطوع به فيظهر به الحق كظهور الليل من النهار. هذه المقدمة تشير بجلاء إلي ما يجب أن يتسم به القاضي كما أنها تنبئ عما يعانيه من يتولي القضاء من عبء ثقيل في سبيل تحقيق العدالة اذ أن القضاة هم نخبة مميزة من رجال الأمة أشربت نفوسهم احترام القانون وانغرس في قلوبهم حب العدل وهم بطبيعة وظيفتهم يؤمنون بمبدأ المشروعية ولا يقدر لهذا المبدأ قيام واستقرار اذا لم يوجد إلي جانبه قضاء حر مستقل يحميه من الاعتداء ويدفع عنه الطغيان، وصدق شيخ قضاة مصر العظيم المستشار الراحل الكريم يحيي الرفاعي عندما أطلق صيحة الحق وقال ان في مصر قضاة، وكان ذلك عندما أعلن وزملاؤه الأفاضل أعضاء مجلس ادارة نادي قضاة مصر في مارس 8691 بيانا هاجموا فيه طغيان النظام آنذاك وكان من جرائه أن فصل كثير من القضاة الشرفاء وأطلق عليها آنذاك مذبحة القضاء. معني ذلك ان قضاة مصر دوما يناصرون الحق ولا يخضعون لأي نظام استبدادي ظالم وصدق شيخ القضاة عبدالعزيز باشا فهمي عندما رفض الوزارة عام 8291 عندما قال ان مركز قاض من الدرجة الثانية أكرم عندي من مركز الوزير. تلك أمثلة لقضاة مصر الأفاضل الذين نكن لهم كل التقدير والاحترام ومازلنا. أما عن المحاماة وهي رسالة الحق والحرية والكرامة وهي رسالة ينهض بها المحامون يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار يناصرون الحق ويدرءون الظلم، وليس يكفي المحامي أن يكون العدل مهمته وضميره وغايته وإنما عليه أن يكون مفطورا علي الفضائل من أجله وان يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه. القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل فيحكم به فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه ثم هو محصن بالاستقلال والحصانة القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس أما المحامي فيخوض غمارا عليه أن يقف شامخا منتصبا رغم انه بلا حماية وبلا حصانة يكافح من أجل الحق الذي ينشده ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته وربما في حياته نفسها وتاريخ المحاماة شاهد علي ذلك في كل العصور فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية الغير. والمحاماة رسالة يجب أن يتلاشي احساس المحامي بذاته فيكرس كل علمه وفكره وثقافته وقدراته وأدبه وموهبته لينهض بأمانة وضعها الغير في عنقه.. والمحاماة كنيابة اقناعية عن الغير ويروي لنا القرآن المجيد صورا من هذه النيابة الاقناعية لجأ إليها النبي موسي كليم الله فدعا ربه أن يحلل عقدة لسانه وأن ييسر له أمره وأن يعينه بأخيه هارون. قال بسم الله الرحمن الرحيم »قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري« صدق الله الله العظيم سورة طه. وفي تقديس حق الدفاع يروي انجيل يوحنا أن واحدا من حراس الهيكل الذين أرسلهم الفرسيون ورؤساء الكهنة لاحضار السيد المسيح ولم يحضروه وهو نيقوديموس قال لرفاقه الذين يرددون كالببغاوات ما قاله رؤساء كهانة اليهود »أتسمح شريعتنا بأن يحكم علي أحد دون سماع دفاعه« يوحنا 7/5435 وقد وصف السيد المسيح عليه السلام القاضي الظالم الذي لا يخاف الله »أفلا ينصف الله مختاريه الذين يصرخون إليه نهارا وليلا أما يسوع في الاستجابة لهم أقول لكم إن يسوع ينصفهم سريعا ولكن عندما يعود دين الإنسان أيجد إيمانا علي الأرض« لوقا 81/86. وجاء في سياق ما كتبه أستاذنا الجليل الوقور رجائي عطية في كتابه »رسالة المحاماة«: ان المحاماة رسالة ينهض بها المحامون لإحقاق الحق ودرء المظالم ومن المهم للناس والمحامي قبل الناس الذين قد تحركهم مطامعهم وأغراضهم ورغباتهم أن يدركوا أن المحاماة ليست وسيلة لتزيين الباطل أو تزييف الحقائق أو طمس الحق وتشجيع المظالم. المحاماة في صحيح رسالتها استبيان للخيرات وتعاون علي البر ومناصرة للمعروف ودحض للباطل واعانة للضعيف واغاثة للملهوف ونصر للمقهورين وهو سعي للاصلاح المأمور به في القرآن »لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس« (سورة النساء) ويسعي المحامي مع القاضي إلي العدل الذي عليه أقام الله السموات والأرض (ووضع الميزان) (سورة الرحمن). وفي هذا المقام لا ننسي زعماء مصر من المحامين الذين لا تسع هذه المقالة لذكرهم من أمثال: الزعيم سعد زغلول ومصطفي باشا كامل ومحمد بك فريد وابراهيم الهلباوي ومصطفي مرعي ومحمد عبدالله فلكل من هؤلاء تاريخ مجيد في الوطنية انصبت كلها في ارساء مباديء وتقاليد وكفاح ضد الانجليز والقصر والاقطاع. نظرات ألقينا بها الضوء علي جناحي العدالة في مصر وهما القضاة والمحامون فهل من المقبول أن يسقط جناح ان سقط فقد سقطت العدالة وأهدرت حقوق المواطنين في مصرنا الحبيبة. هذا الخلاف الذي نشب بين أحد أفراد الهيئة القضائية وأحد المحامين في طنطا إنما خلاف بين أشقاء ليس من المقبول أو المعقول أن يمتد بالصورة التي نراها الآن والتي يود بعض الحاقدين ضرب العلاقة الحميمة بين رفقاء الدرب من قضاة ومحامين وجعلها تكأة ينفذون منها إلي زرع بذور الشقاق بين الأشقاء. وخلاصة ما قصدت فيها أكتب نداء إلي العلي القدير أن يزيل الله الغمة وتعود المياه إلي مجاريها نقية زكية تحمل بين طياتها الحب المتبادل بين الأشقاء من رجال القضاء الأفاضل والمحامين الأجلاء.