ارجو ان تكون الازمة مع دول حوض النيل حافزا لنا من اجل العمل للمستقبل اولا.. بتنظيم وفاعلية التعامل مع مثل هذه الازمات. وثانيا.. لمواجهة ما هو متوقع من نقص في احتياجاتنا من المياه بعد سنوات قليلة حتي مع استمرار حصتنا الحالية من مياه النيل. هذه الحقيقة حذر منها خبراء المياه ليس بالنسبة لمصر فحسب ولكن بالنسبة لدول العالم. واذا اضفنا الي ذلك الزيادة المتصاعدة في التعداد السكاني لمصر وعدم القدرة علي التوسع في استصلاح الاراضي لتوفير الاحتياجات الغذائية نتيجة ما سوف يواجهنا من عجز في توفير مياه الري والشرب فان الامر اصبح يحتاج الي استراتيجية مائية لمواجهة المستقبل. ان هذا الواقع الذي لا مفر منه يفرض علينا ان نجعل من قضية توفير المياه هدفا قوميا يلزمنا جميعا بالعمل من اجل الوصول اليه. علينا ان نؤمن بان هذا الهدف يعد من دواعي الامن القومي ويتطلب ان نتيح لتحقيقه كل ما يمكن من جهد وخبرة ومال دون اي تأخير. يجب ان يكون محور تحركنا نحو هذا الهدف.. من خلال تنمية الوعي والمعرفة بأبعاد هذه القضية وانها اصبحت مصيرية بالنسبة لنا وللاجيال القادمة من ابنائنا واحفادنا. لابد ان تكون هناك خطة واضحة تعتمد علي الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال. لا جدال ان عمليات الري بالغمر السائدة والتي يتم علي اساسها زراعة غالبية اراضينا لن تكون صالحة ولا مناسبة لهذه الاستراتيجية التي تهدر المليارات من مياه النيل وتؤدي في نفس الوقت الي »تطبيل« الارض كما حدث في بعض مناطق دلتا النيل.. هذه الظاهرة ادت باعتراف الخبراء الي انخفاض »غلة« هذه الاراضي بصورة كبيرة عن مثيلاتها من اراضي الاستصلاح في المناطق الصحراوية التي لا يتم ريها بطريقة الغمر. حان الوقت لأن نبدأ وعلي الفور برنامجا قوميا لتعميم انظمة الري الحديث القائم علي التنقيط والرش وهو ما يمكن ان يؤدي الي توفير كميات هائلة جدا مما هو تحت ايدينا من مياه حاليا. هذا الفائض من مياه الري التي يتم توفيرها من تطبيق هذه الانظمة يمكن استخدامه لري المزيد من الاراضي الزراعية التي تنتظر الاستصلاح في الكثير من ارجاء مصر. صحيح ان هذا المشروع القومي يحتاج الي اموال طائلة ولكن وعلي ضوء ما أصبح له من اهمية بالغة فإن حتمية البدء فيه اصبحت ضرورية ومصيرية.. يمكن ان يكون هناك جدول زمني للتنفيذ وعلي اساس ان مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة وهو ما يعني ان علينا ان نبدأ بالفعل بهذه الخطوة. اعتقد اننا باللجوء الي التقشف واشعال جذوة التحدي عند المصريين بالاضافة الي المساعدات الخارجية نستطيع ان نمضي قدما في مشروع التحول من ري الغمر الي الري الحديث بالرش او التنقيط. ان نجاحنا في تبني هذه الخطة سوف يغلق الطريق امام اي ضغوط الابتزاز من اي نوع. العمل في هذا المشروع لابد ان يسير في خط متواز لاستراتيجية التفاهم والتعاون مع دول حوض النيل وعلي اساس التخلي عن سياسة الاهمال والسلبية في التعامل مع هذه القضية. اننا مطالبون الان وفورا بالعمل وفق مخطط علمي يقوم علي الفكر الذي يحكمه بُعد النظر دون الاعتماد علي الفعل ورد الفعل وهو السلوك الذي تعودنا عليه واثبت فساده في مواجهة الازمات والمشاكل.. انني اقول للاصوات التي تتحدث عن غياب الهدف القومي ان قضية المياه وبكل ما يحيط بها من اهمية استراتيجية تمس امننا القومي يمكن ان تكون وبكل المقاييس.. هدفا قوميا لابناء مصر المحروسة. جلال دويدار [email protected]