اتذكر ان الدكتور هاشم فؤاد عميد طب قصر العيني رحمه الله، كان يضع عبارة شهيرة فوق مكتبه استطاع ان يغير بها حال هذا المكان الحيوي الذي يئس من اصلاحه كثير قبله، وعندما كانت تقع عيني عليها، كنت فعلاً أفكر، كيف يتحول اليأس الي رجاء وتتحول الهزيمة الي نصر عظيم، نعم كانت عبارة »فكر« هي مفتاح الخروج من أزمة شديدة ألمت بهذا الصرح الطبي العملاق، حيث لم يكن هناك له وصف غير »مقبرة المرضي«، ولأن نواة التغيير هي فكرة بسيطة فإن الحرية هي وليدة فكرة منذ خلق الله الانسان وأعطاه منحة الوجود ثم الهبوط الي عالم جديد قائم بذاته فيه كل اسباب الحياة ومده بالامل والحرية وبين له سبيل الخير والشر، فهداه النجدين، وترك له امر حياته ليقتحم العقبة بعقله، وفكرة الحرية تطورت مع الانسان لتصل الي ذروتها عندما يبعث الخالق جل في علاه برسالة واضحة تتعلق بعبادته فمنح الانسان حرية العقيدة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. والتاريخ يذكر جيداً أن حرية التفكير هي الطريق الحقيقي للاصلاح في كل العصور، والحرية الواعية التي تحفظ للاخرين نفس الحق انما هي المطلب والمبتغي في هذا الشأن، وإنني اتصور أن التفكير والحرية صنوان يكمل كلاهما الآخر، ويؤدي اليه، ونحن نحتاج في هذه المرحلة الي من يتخذ التفكير طريقه الي الابداع والابتكار، والعمل الدائب، فمصر امام تحد من نوع جديد لا ينبغي أبداً أن يمر دون أن يفجر الطاقات الهائلة وتوجيهها نحو الاصلاح والتقدم، وربما اتساءل في ألم هل حتي هذه اللحظة لم تتكون لدينا عقيدة التفكير بعد؟! وهل اذا استمر الحال بنا علي هذا المنوال، هل لنا من مخرج بعد امام هذه النوبات العنيفة من محن العولمة وتوابعها، إننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وأن الذين يريدون لمصر ان تبقي هكذا في مهب العواصف دون ان ترود هي العواصف وتوجهها وتقودها إلي المستقبل، إنما هؤلاء يعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض، ومن المؤكد أن ذلك الفكر لا يستقيم أبداً مع الشعور الجمعي المنداح يوماً بعد يوم يدفع الملكات المشتركة للشعب ويلهم الوجدان العام بضرورة الانطلاق الي الامام. انني أكاد اسمع اصواتا تأتينا من ماض سحيق لا يضرها ان تبقي مصر مكبلة الأغلال امام المعضلات والملمات، فلا يريدون أن يعملوا او يحفزوا علي العمل، ثم هم لا يريدون للناس ان يعملوا ويجدوا وينتقلوا بوطنهم من مرحلة إلي مرحلة، ما بال هؤلاء قد استبد بهم فكر جامد يجمد معه الآمال الكبيرة، ويخفض همة المتطلعين الي غد افضل، انني اعجب ممن تركوا وراءهم هذا التراث العظيم لامتنا فلم ينقبوا فيه كما ينبغي ولم يعطوه حق قراءته لكي يعرفوا ان فضيلة التفكير اسلامية، من اصول الاسلام الراسخة، أمر بها المؤمنون في آيات قرآنية واضحة، ومارسها الأنبياء جميعاً، فوصلوا إلي الحقيقة وأوصلوها إلي وجدان اممهم، وهل التفكير والتدبر إلا خلاصة هذه الحياة التي لا يمكن أن تطيب الا بالتفكير. كاتب المقال : استاذ الطب بجامعة الازهر، عضو اتحاد كتاب مصر