جمال الغيطانى عندما صدر هذا الكتاب باللغة الانجليزية عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية تمنيت لو أنه أتيح باللغة العربية، دراسة فريدة للدكتورة سامية محرز أستاذة الأدب العربي والتي درست في جامعة بركلي بكاليفورنيا ودرّست الأدب العربي في جامعة كورنيل، ولها مؤلفات عديدة قيمة تجمع فيها بين استيعاب المناهج الحديثة في النقد والتطبيق علي النصوص الأدبية الحديثة ودقة المتابعة، كما أنها ذات حضور فاعل في الحياة الثقافية، أخيرا صدر كتابها »أطلس القاهرة الأدبي« باللغة العربية عن دار الشروق. الكتاب فريد، ويتكون من مجلدين، ما أتناوله هو الأول ويضم نصوصا تعاملت مع المكان، بالتحديد مدينة القاهرة، ويمكن اعتباره اطلسا متعدد الأبعاد، فمن الناحية الزمنية يغطي الأدب الحديث منذ ظهور »حديث عيسي بن هشام« للمويلحي وحتي الأصوات الجديدة في القصة والرواية. يضم الاطلس نصوصا يعتبر نشرها في إطاره اكتشافا جديدا لها من حيث العلاقة بالمكان. ونظرة سريعة إلي الأسماء والنصوص تكشف علي الفور الدقة العلمية للباحثة، واحاطتها الواسعة، وعدم التحيز الايديولجي أو الهوي الشخصي وهما عنصران يفسدان النقد الأدبي، من ناحية أخري فهو اطلس جغرافي من زاوية فريدة. تعامل الأدب مع المدينة. إنه ليس خريطة لسطح المكان، ولكنه تناول لعمقه، وروحه، وخصائصه، كل نص تم اختياره نتيجة دأب بليغ، وجهد علمي، وذائقة شخصية، وخبرة فريدة. إنها محاولة لإعادة بناء المدينة من خلال الأدب النثري عبر أزمنة متوالية، وأدباء عاشوا في المدينة وعرفوها من خلال رؤي متباينة، بل إن تجاور هذه النصوص إعادة اكتشاف لها، وبعضها يحتفظ بمعالم زالت من الذاكرة ولم يعد لها وجود، وذاكرة القاهرة تتعرض لتدمير منتظم نتيجة المتغيرات القسرية وعدم الاهتمام الثقافي بتدوين مراحلها ومعالمها، اختارت الدكتورة سامية محرز فصلا من رواية أنا حرة لاحسان عبدالقدوس، ويبدأ بوصف الترام رقم 22 الذي كان يربط جنوبالقاهرة بشمالها، من المدبح إلي العباسية. وقد أزيل ولم يعد له وجود، من اهتم بتاريخ المواصلات في المدينة؟ لقد حاولت ذلك في عمل لم ينشر بعد. لكن اختيار الباحثة الذكي ينبه إلي احتفاظ الأدب بمعالم المكان، الثابت منه والمتغير، الاطلس يحاور الفن والعلوم الاجتماعية والعمارة، يبقي فقط تساؤل عن الشعر وعن الكتابة في العصر المملوكي الذي أسس للمدينة وتاريخها؟. ربما كان ذلك يحتاج إلي مجلدين آخرين وبالتالي نحن امام مشروع أدبي فريد ورائد نتمني اكتماله، وتستحق الباحثة القديرة المبدعة في مجال النقد التحية علي ما أنجزته حتي الآن.