من أعماق البحار نبعت فكرة مواجهة أخطار تتربص بالمركبات التي تجوب الفضاء!. الفكرة تعتمد علي بناء قمر صناعي يحاكي شقائق النعمان البحرية، فكما تستطيع تلك الكائنات البحرية ذات الشبه بالزهرة، أو المروحة ان تصطاد ضحاياها اعتماداً علي تكوينها ولزوجة ملمسها، فإن القمر الصناعي الذي يعمل كمصيدة يستطيع ابتلاع النفايات الفضائية، وهي بالأساس بقايا رحلات فضائية تجاوزت النصف مليون قطعة، واصبحت تمثل تحديا خطيرا يهدد خطط البرامج الطموحة لغزو الفضاء برحلات مأهولة بالبشر، كما أن التهديد يطال الاقمار الصناعية علي اختلاف اغراضها. مشكلة النفايات الفضائية آخذة في التفاقم، حتي أن بين الخبراء من حذر من سيناريوهات كارثية إذا ما استمر اهمال مواجهتها.. المثير ان فكرة بناء القمر / المصيدة جاءت من سويسرا، الدولة العتيدة في حيادها إلا انها تمتلك - علي أي حال- جيشا قويا كضرورة للردع، من وكالة الفضاء الخاصة بها، انبعثت فكرة »كنس« مخلفات الفضاء سواء كانت اجزاء من مركبات وأقمار إنتهت مهامها، أو أدوات استخدمها الرواد وتركوها تسبح بعد ان تخلوا عنها، ورغم ان معظم هذه النفايات صغيرة الحجم، إلا أن سرعتها الشديدة تعني ان ارتطامها بأي قمر، أو مركبة في الخدمة، كفيل بتوليد قوة تفجير هائلة تحيل الضحية- بمن فيها- إلي آلاف الشظايا. علي أهمية المشروع وفوائده الجمة، فإن تكاليفه زهيدة قياسا بعائداته، فبضعة ملايين من اليورو تكفي لبناء القمر المطلوب، وصاروخ دفع صغير يرفعه الي مدار يراوح بين 006و007 كم فوق الأرض، ليبدأ مهمته كمصيدة ترحم البرامج الفضائية من المخاطر المحدقة بها. اللافت للنظر، أن التقنية تشبه من يبدعها أو يبتكرها، فكما يجنح السويسريون للسلام والحياد، جاءت فكرتهم ناجعة بسيطة، جوهرها إلتقاط المخلفات الفضائية والعودة بها إلي محيط الأرض ليحترقا معا بلا اضرار. في أمريكا ايضا ارقتهم المشكلة، وحاولوا الاجتهاد، والتفكير في حلول، لكنها أتت علي شاكلتهم، عنيفة تجنح لاستخدام القوة المفرطة! خطة خبراء وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ترنو لتصميم مدفع ليزر قوي يطلق حزماً قوية من الاشعة، التي تحتاج بدورها إلي تقويتها عبر عدسات وتليسكوب بمواصفات خاصة، قبل أن يتم تصويبها إلي المخلفات الفضائية، فتعمل علي التخفيف من سرعتها، ومن ثم تحويل مسارها، لتصل بالتالي إلي مدار قريب من محيط الأرض، لتلقي ذات المصير، أي تحترق!. وبينما حدد الخبراء في سويسرا مدي زمنيا يتراوح بين 3و5 سنوات لتفعيل فكرتهم، واطلاق اقمارهم الشبيهة بشقائق النعمان البحرية، لتعمل كمصائد فضائية ذات فعالية عالية، فإن الخطط الامريكية بشأن انتاج مدفع الليزر مازالت بعيدة عن تحديد موعد بعينه للعمل، ربما من باب السرية. المفارقة ان امريكا - وليست سويسرا ذات البرنامج الفضائي المتواضع - هي المسئول الاكبر عما يعانيه الفضاء من مخاطر من جراء تزايد حجم المخلفات، لكنها علي اي حال تحركت لمواجهة الخطر، بينما لم يتم رصد اي خطوة مماثلة من المنافس الرئيسي لامريكا في الصراع علي السيادة الفضائية اي روسيا، فهل لا يعنيها الامر بالقدر ذاته، أم أنها كالمعتاد تستعين بالكتمان ثم تخرج لتفاجيء الجميع بتقنية متفوقة تمنحها التميز؟