د. م. نادر رياض كثر الحديث عن العدالة الاجتماعية باعتبارها احد مفاتيح إطلاق آليات الإنتاج أمام مختلف طبقات المجتمع كل يجتهد للحصول علي الرزق مما يحول المجتمع إلي طاقة إنتاجية فاعلة علي كافة مستوياته. وإذا وضعنا اليوم مبدأ العدالة الاجتماعية علي مائدة البحث والتحليل فعلينا أن ندرسه علي مستوياته الثلاثة أي مسئولية الأفراد ومسئولية القطاع الصناعي والانتاجي وأخيراً مسئولية الدولة من هذه القضية.. فعلي مستوي الفرد فإن طبيعة الشعب المصري السمحة المتمثلة في سلوك أفراده الذين يتسمون بالطيبة والسعي لمرضاة الخالق في وسطية معتدلة لا تجنح لأي اتجاه آخر ، فلنا أن نري في سلوك هذا الشعب الطيب من خلال التزامه بأداء الزكاة كواجب ديني لا يتعارض مع التزامه الأدبي والإنساني برعاية المحيطين به من ذوي القربي والجيرة أيضاً إلا أن هذا الدور لا يعتبر كافياً إذ أن النوايا الطيبة لا تكفي لمعالجة القضية ويجب التكامل مع دور الدولة حتي لا يزداد الغني غني والفقير فقراً . أما علي المستوي الصناعي والانتاجي فإن هذا القطاع علي اتساعه لم يشهد حالات تذكر من التخلي عن العمالة أو إيقاف النشاط أو تخفيض العاملين المثبتين أو اتجاه لتخفيض أجورهم رغم الأزمة الحقيقية التي أدخلت جانبا كبيرا من هذا القطاع إلي نطاق الخسائر المؤكدة. . نقول هذا دون إغفال إلي أن هذا الوضع لا يمكن اعتباره وضعاً مستقراً إذ أن الصورة قد تنقلب إلي عكس هذا تماماً إذا استمر التراجع الإقتصادي آخذاً منحي أكثر حدة لفترة أطول خلال هذا العام إما بسبب الانفلات الأمني وغياب الاستقرار أو ما هو أكثر من ذلك بسبب تراجع في قيمة الجنيه المصري "لا قدر الله" مما قد يؤدي إلي انفلات في قيمة تكلفة الخامات ومستلزمات الإنتاج مما يدخل القطاع الصناعي و الانتاجي في حيز الخسائر المحققة لفترة قد تطول ويحدث فجوة في الأمن الغذائي يقفز معه سعر الرغيف. أما علي مستوي الدولة فإن العدالة الاجتماعية تبدأ وتنتهي من محاورها المعروفة وهي دعم مواطنيها وفقرائها بالصورة التي تراها مثلي وليكن دعماً عادلاً يتم ضخه في أول المنظومة ليستفيد منه الجميع وكذا عدالة توزيع فرص العمل علي امتداد المساحة الجغرافية للدولة وقوامها الصناعات الصغيرة والمشروعات الصغيرة وربط ذلك بمزايا تعطي أولوية للصناعات الصغيرة أمام المشتريات الحكومية التي يجب أن تميزها بميزة سعرية حتي تستطيع أن تنافس وفي نجاح الصناعات الصغيرة ارتباط تلقائي بالصناعات الكبيرة باعتبارها صناعات مغذية لها مما يشكل لها بيئة رعوية مناسبة يمدها بالخامات وأدوات الإنتاج. أما المحور الثاني الذي يدخل في نطاق مسئولية الدولة فإنما يكون بالتوزيع العادل لمصادر الثروة القومية وإمكانيات تنميتها علي امتداد الرقعة الجغرافية وذلك بأن تحدد المناطق ذات التخصصية الزراعية أو الصناعية المناسبة فيتم تعظيم وتكامل الأنشطة المبنية علي هذا التخصص داخل النطاق المحلي الموجودة فيه ومثال ذلك اختصاص أسوان ببحيرة السد وارتباط ذلك بالثروة السمكية الكبيرة الواعدة والمستمرة فيجب تنمية أسوان بتوفير وسائل الصيد الحديثة وكذا نشاط تصنيع الأسماك تجهيزاً وتعبئة وفي هذا إثراء واستثمار للثروة السمكية وخفض لأسعار الغذاء. وقياساً علي هذا مناطق زراعة الزيتون وما يرتبط بها من تصنيع الزيتون في معلبات أو عصره وتعبئته كزيوت للاستخدام الآدمي وأيضاً الصناعي,كما يسري هذا الأمر علي مناطق زراعة الطماطم وارتباط ذلك بتصنيعها في موقع زراعتها وتركيزها وتصنيع عجينة الكاتشب بها.. وقبل أن تأخذنا طموحاتنا في تيارها الصاعد بعيداً علينا أن نتلفت حولنا قليلاً ونستلهم بعض المحاذير التي من شأنها إجهاض الطموحات وإحباط الرؤي القابلة للتنفيذ، إذ أنه علي الحكومة وأقصد بهذا أية حكومة مقبلة أن تلتزم بالتشريعات التي تسنها خاصة فيما يتعلق برفع الحد الأدني للأجور فلا نريدها أن تكون أول المخالفين لها كما حدث في عهود سابقة. إذن فالعدالة الاجتماعية هي من صنع البشر يهتمون بها ليحسنوا من واقعهم ويصنعوا مستقبلاً أفضل لأبنائهم إذ أن الشعب المنتج هو شعب أكثر رضا وسعادة .