ليس جديدا القول بأن علاقات الدول مثل علاقات الافراد تقوم علي المصالح وليس علي المشاعر والشعارات. حتي تكون العلاقة سوية وطيبة ومتجاوبة بين اي دولة واخري فانه من الضروري ربطها بالمصالح المشتركة التي تخدم الجانبين علي قدم المساواة.. التوصل إلي هذه الصيغة المطلوبة يحتاج إلي خبرة في رسم السياسات والتعامل السليم المقنع القائم علي ان الحفاظ علي هذه المصالح وما تحققه من عائد مرهون باستمرار العلاقات الطيبة القائمة علي التعاون والفهم المشترك والحرص علي سد احتياجات كل طرف.
انطلاقا من هذه الحقيقة فان التعاون الاقتصادي يعد أهم الوسائل لاقامة اقوي العلاقات خاصة عندما تكون فائدته مؤكدة لكلا الطرفين. مثل هذا التعاون يفتح الطريق امام انسجام المواقف بما يخدم القضايا السياسية في النهاية. تجاوبا مع هذا الواقع وتطلعا إلي تحسن علاقة مصر مع دول حوض النيل وسد الطريق امام التدخلات والصيد في الماء العكر الذي يمكن ان يهدد أمننا القومي المائي كان لابد من ان تكون لدينا رؤية اكثر ايجابية وفاعلية في اقناع هذه الدول بأهمية الحرص علي إرساء أقوي العلاقات مع مصر. كانت تنقصنا لتحقيق هذا الهدف ان يكون لدينا جهاز يضم خبراء في كل المجالات علي اعلي مستوي يتمتعون بالوعي السياسي وتوافر الامكانات وحق اتخاذ القرارات لتنظيم التعاون مع هذه الدول التي تربطنا بها علاقات مصيرية.
لا يمكن إنكار وجود تعاون اقتصادي وفني مع هذه الدول ولكنه لا يرقي بأي حال إلي مستوي الاهمية الواجبة التي يمكن ان تزيل المصاعب امام المصالح الوطنية والقومية مثلما حدث بالنسبة لاتفاقية مياه النيل. صحيح ان ظروفنا المالية قد تمثل عقبة امام توفير المزيد من الاعتمادات المالية اللازمة ولكن رغم ذلك فان خطورة الامر وأهميته كانت تتطلب ان نضع الامور في نصابها وفقا للآليات الاستراتيجية وتجنبا لازمات وتعقيدات نحن في غني عنها. في هذا الاطار أصبح لزاما ان يكون هناك برنامج لفتح ابواب التعاون علي مصراعيها بما يجعل هذه الدول اي دول حوض النيل صاحبة المبادرة في الحفاظ علي علاقاتها بمصر.
من بين المجالات الاقتصادية ذات التأثير الايجابي علي دعم العلاقات مع هذه الدول وشعوبها ان يكون هناك تعاون في مجال السياحة. إن معظم دول حوض النيل تتمتع بامكانات ومقومات سياحية فريدة خاصة فيما يتعلق بسياحة السفاري. وبناء علي ذلك فان الشركات المصرية يمكنها ان تقوم بإعداد برامج سياحية لهذه الدول تخصص بشكل أساسي للتسويق الخارجي حيث يقبل إعداد كبيرة من السياح الاجانب علي هذه الرحلات. لقد كانت هناك بعض الشركات السياحية المصرية التي حققت نجاحا كبيرا في هذا المجال مثل شركة »أماركو« التي يتولاها الخبير السياحي محمد عثمان ولكنها وللاسف أوقفت نشاطها. مطلوب وفي اطار منظومة تعظيم العلاقات مع دول حوض النيل ان تعود الشركات المصرية إلي هذه الساحة باعتبار ان ذلك يساهم في الانفتاح علي فئات كثيرة من ابناء شعوب هذه الدول. ان أمامنا فرصة كبيرة لنكون معبرا من خلال التعاون للبرامج المشتركة مع شركات السياحة العالمية لتنظيم هذه البرامج. لاجدال ان توافر خطوط جوية لشركة مصر للطيران إلي بعض عواصم هذه الدول خاصة اوغندا وتنزانيا واثيوبيا وكينيا يمكن ان يساهم في نجاح تنظيم هذه الرحلات. في نفس الوقت فان الاستراتيجية التي تتبناها مصر للطيران تتضمن التوسع في تسيير المزيد من الرحلات إلي العواصم الافريقية في إطار خدمة المصالح الوطنية والدور الذي نقوم به للتكامل مع دول تحالف »ستار« للطيران.
من المؤكد ان السياحة باب مهم في الانفتاح علي دول منابع النيل باعتبارها مصدرا للدخل والتنمية لشعوبها. بالاضافة إلي تأثيرها الايجابي علي زيادة الروابط معها وهو المستهدف في هذه المرحلة والمراحل المستقبلية.