الزيارة التي يقوم بها حاليا كل من جوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديمقراطية ورايللا أودينجا رئيس وزراء كينيا ومباحثاتهما مع الرئيس مبارك وهما دولتان من دول حوض النيل التسع.. تمثل مبادرة ايجابية من جانب مصر تدخل في إطار التحرك لتصحيح أوضاع العلاقات مع هذه الدول بشكل خاص ودول القارة الافريقية التي ننتمي إليها بشكل عام. إنها خطوة علي الطريق الصحيح الذي كان علينا ان نتبعه منذ سنوات طويلة دعما للتواصل مع هذه الدول التي تربطنا بها مصالح مشتركة مصيرية هي في قاموس السياسة من قضايا الأمن القومي. لا يمكن أن ننكر حالة الاهمال وعدم المبالاة التي تعاملنا بها مع هذه العلاقات علي مدي سنوات طويلة تحت الاعتقاد الخاطئ بأن الأمور مستقرة وهو الأمر الذي يدل علي قصر نظر سياسي. صحيح أنه كان هناك بعض النشاط الاقتصادي والسياسي ولكن المؤكد أنه لم يكن أبدا علي المستوي وأن تحركنا في المجالين كان متواضعا ولا يضع في الاعتبار أهمية وقيمة تنمية العلاقات مع دول حوض النيل. هذا الواقع ولّد اعتقادا لدي هذه الدول بأننا نتكبّر عليها واننا لا نعطيها ما يجب من الاهتمام الذي يتناسب وحجم المصالح التي تربطنا بها. إن كثيرا من مسئولينا في كل المجالات ظلوا طوال هذه السنوات يفضلون القيام بزيارات عمل مكثفة إلي أوروبا وأنحاء العالم ولكنهم وللأسف كانوا يضنّون بها علي الدول الأفريقية ولا يقدمون عليها إلا في أضيق الحدود، حتي التبادل التجاري مع الدول الافريقية والتي تعد سوقا حيويا لمنتجاتنا وخدماتنا وموردا لكثير من احتياجاتنا كان محدودا وبالتالي لايخدم تطوير ودعم العلاقات السياسية. وليست قضية استيرادنا للحوم الأفريقية التي لا تبعد مزارعها كثيرا عن أراضينا إلا مثالا علي غياب هذه الاستراتيجية السياسية والاقتصادية. أن ما يثير الانتباه في هذا المجال هو أن ما نقدم عليه في بعض الأحيان يكون انعكاسا لرد فعل المشاكل التي لا نستشعرها إلا عندما نتورط فيها بالفعل. هذا الواقع يجسده ما جري فيما يتعلق باستيراد اللحوم من أثيوبيا دولة المنبع التي تزود النيل ب 58٪ من حجم مياهه، لقد أوصي اكثر من مرة الرئيس بالتعاقد علي صفقات من هذه اللحوم منذ سنوات ولكن جماعة المنتفعين الذين تعودوا علي التجول في بلاد الدنيا في رحلات سياحية من أجل استيراد اللحوم من أمريكا الجنوبية التي تبعد عنا آلاف الكيلو مترات كانوا يضعون العقبات أمام اتمام هذه التعاقدات. اخيرا تمت المعجزة بناء علي التعليمات الحاسمة التي اصدرها الرئيس باستيراد كميات من هذه اللحوم تعبيرا عن حسن النية والرغبة في تحسين العلاقات المصرية الأثيوبية إلي جانب المساهمة في نفس الوقت في حل ما تعاني منه السوق المصرية من أزمة في هذا البروتين الحيواني. لقد حان الوقت لأن ندرك أن الدنيا مصالح خاصة بين الدول وأنه يجب ألا تغلب مصلحة الأشخاص علي هذه المصلحة.. من ناحية أخري فان مصالح الدول لا تختلف كثيرا عن مصالح الافراد في طبيعة مشاعرها النابعة من المصالح التي تحكم في النهاية السلوكيات.. انطلاقا من هذه الحقيقة فإنه من الضروري ولكي يسود الفهم والتفاهم بين الدول فإنه لابد من التواصل المستمر من خلال المصالح واستمرار الزيارات المتبادلة بلا توقف وابداء الاهتمام بكل ما يخدم العلاقات المشتركة. ان دول حوض النيل في حاجة إلي التعاون المشترك في جميع المجالات التي تشمل المنح الدراسية والمساعدات الفنية والخبرة ومشروعات الاستثمار التي تساهم في الاستجابة لتطلعاتها في التنمية، في نفس الوقت فإن ما هو متوافر في هذه الدول لا يعني أن هذا التعاون سيكون من طرف واحد وانما الفائدة سوف تعم علي الطرفين.. وفي هذا المجال فإنه لا يمكن اسقاط السلبية التي يتسم به التعامل مع الاعلام في دول حوض النيل. تجسد هذا الوضع في عدم التوسع في دعوة الاعلاميين في دول حوض النيل وتوفير التسهيلات اللازمة للتحرك في ربوع بلادنا والالتقاء مع المسئولين ومشاهدة نواحي التقدم لدينا بما يتيح لهم كتابة الموضوعات والمقالات التي تساهم في التقارب ودعم العلاقات. لقد كان للمجلس الأعلي للصحافة منذ شهرين وبمشاركة وزارات الخارجية والموارد المائية والاعلام مبادرة في هذا المجال عندما قام بتنظيم دعوة ل 03 من رؤساء تحرير الصحف في دول حوض النيل قالت التقارير التي بعثت بها سفاراتنا في هذه الدول انها حققت نجاحا منقطع النظير. من الضروري تكرار هذه المبادرات وأن تكون هناك استمرارية لزيارات مثل هذه الوفود بما يتيح الفرصة أمام نشر الموضوعات والمقالات التي تخدم العلاقات. ان ما نحتاج إليه هو إعمال الفكر الخلاق المتسم بالعقلانية التي تخدم مصالحنا حاليا ومستقبلا.