ما حكاية العمولات السرية بالملايين في نقل الأسلحة الأمريكية إلي مصر بواسطة حسين سالم وشركاه ولماذا تدخل مبارك للتغطية علي الصفقة؟ إنه شاهد علي الأيام الأخيرة في حكم مبارك وكما عاشها عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار السابق من موقعه في التليفزيون، وهو يروي من خلال شهادته جانبا مما كان يدور في مقر الرئاسة وفي المجلس العسكري وفي مبني ماسبيرو.. وكيف حدث الانهيار في النظام؟ وكيف جرت إدارة الأزمة الخطيرة في يوم 82 يناير جمعة الغضب إلي ذروة الأحداث في يوم 11 فبراير؟ وكما يسجل المناوي في كتابه الذي عكف علي كتابته في لندن إنه قام بدوره وعمله في إطار المهنية والمصداقية.. وكما يبدو فإن النظام كان غبيا وعاجزا عن مواجهة الموقف ولذلك كانت المعالجة قاصرة علي تفهم حقيقة الأوضاع المتردية في الشارع.. وتروي شهادته ان القوات المسلحة قد انحازت إلي جانب الثورة منذ يوم 2 فبراير وصدر البيان الأول من المجلس الأعلي معبرا عن تجاوبه مع مطالب الشعب، وقام التليفزيون بإذاعته بدون الرجوع إلي الرئاسة، ولذلك اتصل زكريا عزمي وأبدي اعتراضه وقال للمناوي غاضبا: كيف يذاع البيان رقم واحد قبل الحصول علي موافقة الرئاسة؟ ورد عليه المناوي: ان العادة جرت ان بيانات القوات المسلحة تتم اذاعتها مباشرة دون الرجوع إلي أي جهة! فطلب زكريا عزمي: عدم إذاعة أي بيانات عسكرية إلا بعد استئذان الرئاسة! وكانت واحدة من الأزمات التي تعرض لها المناوي علي مدي خمسة عشر يوما، وكان يقوم بإحاطة أنس الفقي وزير الإعلام وقتها بخطورة التطورات الجارية ويضعه في الصورة بما يسمعه ويتلقاه من معلومات ومن مصادر مختلفة واستطاع إقناع الوزير بضرورة إبلاغ الرئاسة بذلك، ويحاول إقناع مبارك بأن يوجه خطابا إنسانيا إلي الشعب بعيدا عن العناد والإستفزاز! وعلي حد قوله: إنه شعر بخطورة الموقف بعدما اجتمع خارج التليفزيون مع مصادر معلومات وبدت الصورة إن القوات المسلحة تقف في جانب، وان الرئاسة في جانب آخر وان الشعب يتحرك في مظاهرات غاضبة في التحرير.. وان الأمن خرج عن السيطرة وان النظام أخذ يتفكك وخصوصا بعد انسحاب الشرطة، والأمن المركزي من الشوارع والميادين في المدن الأخري السويس والاسكندرية بالذات وكان السؤال: ماذا يذيع التليفزيون وكيف ينقل الصورة؟ واستقر رأي المناوي مع فريق العمل في قطاع الأخبار علي الالتزام بالمهنية في العمل وطلب من وزير الاعلام ان يتم الأداء بدون ضغوط من النظام، واتوقف امام الدور الأساسي الذي قام به جمال مبارك في إدارة الأزمة وكانت تعرض عليه جميع الأوراق والتقارير قبل العودة إلي الرئيس مبارك، وكان هناك تنسيق بينه وبين حبيب العادلي وزير الداخلية في بداية الأزمة.. وقد شعر المناوي بتأثر نظرية المهنية في عمله بعدما وصلت قوات الحرس الجمهوري لتأمين مبني التليفزيون ليلة 82 يناير بعد تفاقم الأحداث وانتشار الفوضي والحرائق.. والواضح من شهادة المناوي ان القيادة السياسية كانت غائبة عن الصورة ولم يكن هناك غير زكريا عزمي وأنس الفقي وجمال مبارك حول الرئيس وكان عمر سليمان يقوم بمهامه كنائب لرئيس الجمهورية وبينما اتخذ المجلس العسكري قرارا بعدم إطلاق النار علي الشعب والقيام بحفظ الأمن! وجاءت اللحظة الحاسمة حينما سجل عمر سليمان نائب الرئيس بيان تنحي مبارك عن الحكم في ردهة وزارة الدفاع، بعد اجتماعه مع المشير طنطاوي، وحمل اللواء اسماعيل عتمان عضو المجلس العسكري بنفسه الشريط في »الجنت« داخل ملابسه وحمله من كوبري القبة إلي مبني التليفزيون حرصا علي اذاعته في الوقت المحدد وشق طريقه بصعوبة وتوجه الي مكتب المناوي مباشرة حيث اصطحبه إلي ستوديو 11 في قطاع الأخبار وتم تجربة الشريط قبل إذاعته علي الشعب.. وكان موقفا صعبا ومشحونا بالمسئولية.. وكان نهاية النهاية! مبارك وإعدام شاوشيسكو الأحد: لم أكن أتوقع أن يغضب الرئيس السابق إلي هذا الحد ومن أجل الرئيس شاوشيسكو، ولم أكن أتصور أن يتسبب التقرير الذي نشرته عندما كنت رئيسا لتحرير آخر ساعة عن سقوط ديكتاتور رومانيا وإعدامه وزوجته رميا بالرصاص في ذلك الضيق الذي أصاب مبارك وبشكل غير مبرر.. كان مبارك صديقا حميما للديكتاتور الروماني شاوشيسكو، وكان ينتهز الفرصة في أي رحلة أوربية للمرور علي العاصمة بوخارست لزيارته، وكان معجبا به وبأسلوبه القمعي في حكم رومانيا، وكان يبرر زياراته المتكررة بأنه مستفيد من تجربة شاروشيسكو في سداد الديون التي كانت تثقل الاقتصاد الروماني ويحاول أن يلتمس له العذر في الحكم المستبد والقهر والحرمان الذي يعانيه الشعب الروماني، ويقول يكفي أن رومانيا لم تعد مديونة رغم سياسة ربط الأحزمة علي البطون وقمع المعارضة وكبت الحريات.. وكان يستمع الي نصائح شاوشيسكو في أسلوب الحكم الأمثل للشعوب الفقيرة من خلال الحزب الواحد والقبضة الحديدية! وعندما كنا في إحدي الزيارات نزلنا في جولة في بوخارست ورأينا شعبا ذليلا ومكبوتا ومحروما بينما الطبقة الحاكمة وأعوان الديكتاتور ينعمون بالترف والبذخ.. وكانت زوجة شاوشيسكو نموذجا كريها وتشاركه في الحكم وتعزل الوزراء وتختار المسئولين من المقربين، ورغم الفقر والحرمان الا ان السوق السوداء والفساد كانا متفشيين وتهاوت العملة الرومانية وكانت الحزمة بالمئات تباع بعشرة دولارات.. وامتلأت السجون بمعارضي الديكتاتور وازداد الغضب في الشارع وكانت الأحوال توحي بانفجار وشيك! وكانت سوزان مبارك تحرص علي مرافقة زوجها خلال زياراته لبوخارست ونشأت صداقة حميمة بينها وبين زوجة شاوشيسكو وأعجبها تدخلها في الحكم..! وعندما حدثت ثورة الشعب الروماني ضد الديكتاتور الطاغية وحاصرت المظاهرات قصر الرئاسة حاول شاوشيسكو إنقاذ نفسه وخرج يخطب من الشرفة وبجواره زوجته ويتعهد بإصلاح الأخطاء، ولكن الشعب لم يقتنع بعد سنوات القهر الطويلة وحاصرت الآلاف الزاحفة القصر وهرب شاوشيسكو من الباب الخلفي عندما حاول عبور الحدود.. ولكنه وقع مع زوجته في أيدي وحدة من الجيش الروماني، وأجريت المحاكمة الصورية لهما وبعد توجيه الاتهامات تم تقييد ايديهما ونفذ حكم الاعدام فيهما رميا بالرصاص امام عدسات التليفزيون! واتصل بي مبارك في الصباح الباكر وأبدي غضبه من التقرير المنشور بالصور في المجلة وقال لي: إنه يعبر عن »الشماتة« في شاوشيسكو الذي تربطه به صداقة.. وتساءل: هل يكون هكذا جزاؤه علي مافعله من أجل إنقاذ رومانيا من الديون والإفلاس.. إنه الجحود من الشعب الروماني وقد حزنت لهذه النهاية الأليمة.. وحينما أبديت له المبرر للنشر قال غاضبا: هو أنتم عاوزين جنازة وتشبعوا فيها لطم! وأنهي المكالمة! واستغربت موقف مبارك وما اعتبره شماتة في مصير الديكتاتور شاوشيسكو وإعدامه بالرصاص.. وبعدها صدرت تعليمات بايقاف النشر في هذا الموضوع وحدث تعتيم من جانب الصحف المصرية! سالم ونقل الأسلحة الأربعاء: لم أسمع اسم حسين سالم ولم أعرف حكايته إلا أثناء زيارتي لواشنطن في أواخر حكم السادات، وكان السفير المصري وقتها هو الدكتور اشرف غربال وكان حسني مبارك نائبا للرئيس وكان اللواء عبدالحليم ابوغزالة هو الملحق العسكري في أمريكا، وبينما كان الطيار منير ثابت شقيق سوزان مبارك هو مساعد الملحق العسكري.. وكان قد بدأ شحن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر من الدبابات والمدرعات والمدفعية لتطوير تسليح الجيش المصري واستبدال التسليح السوفيتي بالتسليح الأمريكي الحديث.. وذلك بناء علي الاتفاق الذي تم بين السادات وكارتر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد والمساواة بين مصر واسرائيل في الحصول علي المساعدات الامريكية لتشجيع عملية السلام في المنطقة. وتعرفت علي »اللواء« ابوغزالة عندما ذهبت لزيارة مكتب الملحق العسكري في واشنطن وسمعت منه أن الادارة الامريكية توفِّي بتعهداتها في مسألة التسليح وتزويد مصر بأحدث المعدات وخصوصا دبابات إبرامز المتطورة، وكان سعيدا بذلك لاستعواض ما استهلك خلال حرب أكتوبر من الاسلحة السوفيتية، وكانت تربط أبوغزالة علاقات جيدة مع القادة العسكريين الأمريكيين وبدرجة أنه كان يلقي محاضرات في جامعة واشنطن والمعاهد العسكرية.. وعندما سألته عن حسين سالم قال ان شركته ستقوم بنقل الأسلحة حرصا علي السرية! وسمعت وقتها حكاية غريبة عن شحن الأسلحة الأمريكية إلي مصر وكان بطلها شخصا غامضا إسمه حسين سالم وكان يتردد علي مكتب الملحق العسكري وقيل إنه تربطه علاقة قوية مع عبدالحليم أبوغزالة ومساعده منير ثابت وشريك أمريكي!.. وبذلك استطاع الحصول علي صفقة شحن الاسلحة الامريكية بدلا من الشركات الأمريكية رغم اسعارها المنافسة وقام بتكوين شركة خاصة للقيام بهذه العملية، وسمعت عن العمولات الكبيرة بالملايين التي كان يتم دفعها الي مسئولين نافذين مقابل صفقة نقل الأسلحة الأمريكية.. وظل الحال علي ذلك بعدما تولي حسني مبارك رئيسا بعد اغتيال السادات. ويبدو أن التفاصيل قد تسربت كالعادة في الدوائر الأمريكية ونشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريرا خاصا عن صفقة شحن الأسلحة الأمريكية ومايحيط بها من شبهات وكانت تلمح بذلك إلي صلة الرئيس المصري الجديد بهذه الصفقة.. وثار مبارك وابدي استياءه وخشيته من نشر تفاصيل أخري، وبدرجة أنه استدعي رئيس تحرير الواشنطن بوست لمقابلته في القاهرة وكانت الصحيفة الأمريكية الشهيرة ذات المصداقية تشير إلي شبهات الفساد التي تحيط بالصفقة والعمولات السرية التي ارتبطت باسم الرئيس المصري الجديد من خلال حسين سالم ومنير ثابت شقيق زوجته مساعد الملحق العسكري في واشنطن.. وكاد الأمر يتطور إلي فضيحة لولا أن مبارك إتفق مع رئيس تحرير الواشنطن بوست علي احتواء الأزمة وايقاف النشر في هذا الموضوع حرصا علي العلاقات المصرية الأمريكية.. وبينما استمرت شركة حسين سالم في شحن الأسلحة الامريكية ضمن برنامج المساعدات العسكرية إلي مصر ومقابل العمولات السرية.. وكان واضحا أن الرئيس السابق مبارك يحاول التغطية علي صفقة حسين سالم وشركاه حتي لا يلتصق اسمه بهذه العمولات في بداية حكمه خصوصا بعدما جرت تحقيقات مع الشريك الأمريكي وارتبط بها اسم حسين سالم ومنير ثابت عن العمولات السرية المدفوعة بملايين الدولارات وكان الرئيس مبارك علي علم بها.. وما خفي كان أعظم!