ارتفعت بعض الأصوات ممن حصلوا علي مقاعد في البرلمان »مجلس الشعب« تطالب بانهاء المظاهرات في ميدان التحرير وكل ميادين مصر، باعتبار أن البرلمان أصبح هو الميدان أو البديل عنه.. وفي الوقت الذي ينادي شعب الميدان وكل ميادين مصر برحيل العسكر من السلطة إلي الثكنات ليصبح دوره »يحرس ولا يحكم« في الوقت الذي ينادي بعض سكان مجلس الشعب باخلاء الميدان بلا وعدم شرعيته، استنادا إلي ان الناس انتخبت البرلمان وبالتالي فقد أصبح هو الشرعية الوحيدة، وما عداه أصبح ماضيا لا يجوز استمراره!! وقد تنكر أصحاب هذا الاتجاه وهذه الأصوات لشرعية الميدان وفضله علي الجميع. وربما يكون للبعض مبرراته في مقدمتها أنه لم يشارك في الثورة أصلا، ولم يحضر إلي الميدان في التحرير وفي كل عواصم مصر الغالية، بل ولم يشارك في تظاهرة واحدة، ومن ثم فهو يفتقر إلي الاحساس بعظمة هذا الميدان أو ذاك الذي كان لدخوله من قوي الثورة الأثر الفعال في إسقاط الدولة البوليسية وبداية لسقوط نظام مبارك الفاسد والمستبد، ومن ثم فلولا قدرة الثوار وخلفهم الشعب المصري في غالبيته داعمين ومؤيدين علي إشعال الثورة ودخول ميدان التحرير الذين استطاعوا أن يحرروه من قبضة النظام البوليسي، ما كان يمكن حل مجلسي الشعب والشوري المزورين في عام 0102م، واجراء انتخابات جديدة سمحت لمثل هذه الأصوات أن تتواجد في برلمان ما بعد الثورة الشعبية العظيمة التي اندلعت في 52 يناير 1102م. وقد كان من أثر ذلك الانكار من أصحاب هذه الأصوات، تفجر قضية مهمة وهي تنازع الشرعيات الآن بعد انتخاب مجلس الشعب، فأيهما الأحق في الاستمرار؟! بدلا من ان نسأل السؤال الطبيعي كيف يمكن ان يكون البرلمان امتدادا للميدان؟ وكيف يمكن للبرلمان ان يجسد إرادة الميدان؟ وكيف يكون البرلمان لسان حال ميدان التحرير وكل ميادين مصر؟ وكيف يصبح البرلمان صوت الميدان وأداة لترجمة طلباته وتحويلها إلي واقع؟ وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات الميدان وكل الميادين، بالاعتراف بالبرلمان، ومطالبته بأن يكون الامتداد الطبيعي للميدان والمترجم لأحلامه وهي أحلام الشعب بالاساس، كان في المقابل من ترتفع أصواتهم في البرلمان بعدم الاعتراف أو الاعتداد بالميدان وما يجري فيه، وقد شاهد الجميع علي شاشات التلفاز لافتة أعدها حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين تقول: »البرلمان هو الميدان..« فإذا أخذنا المعني بحسن النية، فإن البرلمان هو امتداد للميدان ومرآة له، وإذا اخذنا الأمر بسوء النية فان البرلمان اصبح البديل للميدان، وما يترتب علي ذلك من ضرورة انهاء ما فيه، وقد رجحت الوقائع من احتمال فهم معني هذه اللافتة بسوء النوايا ومن هذه الوقائع: اصرار حزب الحرية وجماعة الإخوان علي »الاحتفال« بالثورة وفي الميدان بانجازاتها »وهي في الحقيقة انجازهما في مجلس الشعب فحسب!!«، علي عكس الإرادة العامة لجماهير الشعب في ميدان التحرير وكل الميادين والتي عكست ضرورة تجديد الثورة وتأكيد مطالبها التي لم تتحقق بعد، كما ان تصريحات بعض قادة الاخوان وحزبهم، أكدت أنه من غير المعقول أن يفرض الميدان ارادته علي البرلمان، وانه ليس من المعقول ان تتخذ القرارات تحت ضغط الميدان!! وهي في الحقيقة اشارة بالغة الأهمية تؤكد علي انكار الميدان والتنكر له بعدما حصلوا علي ما كانوا يصبون إليه ويتطلعون وهو الوصول إلي مقاعد الأغلبية لكي يتحكموا في خلق الله وفي شئون البلد، كما يحلو لهم، فضلا عن ان التواجد المستفز بالمنصة الكبيرة وعدد الميكروفونات التي تملأ الميدان أيام 52 - 82 يناير بالتحرير، ومحاولتهم الاحتفال والانكار للآخرين، هو تصرف يعكس اصرار هؤلاء علي أهلية البرلمان وشرعيته علي حساب الميدان وبالتالي الثورة، وهو أمر لافت للنظر يستوجب فهمه وتحليله لمعرفة ما يدور في أذهان هؤلاء من أجندات وبرامج للمستقبل، ولعل ما نتج من استفزازات إخوانية لقوي الثورة الحقيقية وللشعب المصري المتواجد في ميدان التحرير، حيث رفعت الأحذية في مواجهة هذه الاستفزازات، خير دليل علي مدي الرفض الشعبي المتنامي لمحاولة جماعة الإخوان وحزبهم الانفراد بالاحتفال بالبرلمان علي حساب الميدان وفي داخل الميدان نفسه استقواء وتجبرا واستعلاء. ان عبقرية الشعب المصري تجلت في ثورته الشعبية، وفي كسر حواجز الخوف من السلطة وجبروتها، وفي امتلاك ناصية إرادته بنفسه دون وصاية أحد بعد ذلك، وفي انفراده دون منازع بالعصمة في يده، ومن ثم فإنه عندما قرر أن يقوم بالثورة، فإن فرض إرادته علي الجميع، وحينما قرر الذهاب إلي صناديق الانتخاب لاختيار مجلس الشعب، فإنه لم يعط إرادته كاملة إلي اعضاء ذلك البرلمان بل أعطاهم جزءا منها تفويضا وليس تنازلا، وبشكل مؤقت وليس دائما، ومن ثم فإن هذا الشعب وقد اختار البرلمان وقام بتكوينه بارادته، إلا أنه فضل ألا يختفي وراء هذا البرلمان، بل صنع أيضا لنفسه وظيفة سياسية جديدة وهي »الرقابة السياسية والشعبية والجماهيرية الدائمة«، حيث قرر أن يراقب اعمال البرلمان واعضاءه فان جسدوا إرادته وإرادة الثورة شكرهم، وان انقلبوا علي الثورة وتنكروا لها سحب منهم الشرعية، واخضعهم مرة أخري للمحاسبة والمساءلة، هذه هي إرادة الشعب المصري التي لن تتوقف عن التفاعل باستمرار، دون جحود أو تأجيل أو استراحة، ستظل هذه الإرادة فاعلة علي مدار الساعات الأربع والعشرين دون راحة بعد ذلك، فراحة الشعب المصري وارادته هي في استمرار اليقظة الدائمة دون غفوة بعد ذلك فما عانينا منه طوال السنوات الأربعين الماضية لكفيل بأن يجعل الشعب المصري يقظا طوال عمره بعد ذلك. وقد جسد الشعب المصري ارادته مرة أخري وعظمته حينما خرج في أول أيام ثورته بعد عام من تفجرها، وذلك يوم 52 يناير 2102م بالملايين مرة أخري في ميدان التحرير وكل ميادين مصر، وبالمسيرات من كل الانحاء صوب الميادين، وكان لي شرف قيادة مسيرة من شبرا الخيمة للتحرير »حوالي 01 ك.م« سيرا علي الاقدام ولمدة 5 ساعات متصلة وصل عددها لنحو 001 ألف مواطن، ليجدد الثورة ومطالبها، في نفس الوقت بعث برسالة للجميع بأن الشعب في الميدان هو الاصل وصاحب الشرعية الأصلية، وماعدا ذلك ومن بينه البرلمان هو شرعية فرعية، ومازال الشعب في الميدان ومعتصما حتي يتم النقل الكامل والفوري للسلطة تأكيدا بأن شرعية الميدان هي الأصل وهي صاحبة العصمة وان ميدان التحرير »أصلا ورمزا« هو مصدر الشرعية للسلطة والحكم، ولعل المشهد العظيم لهذا الشعب يوم 52 يناير 2102، هو أبلغ رد علي دعاة شرعية البرلمان بدلا من شرعية الميدان. وفي الختام أشير إلي أن المقاطعة الجماهيرية لانتخابات مجلس الشوري، هي قرار جماهيري ثورة بعدم الاعتراف بشرعية هذا المجلس، فالغوه وأوقفوا انتخاباته توفيرا لنفقات 2 مليار جنيه »5.1 مليار للانتخابات+ 2/1 مليار نفقاته السنوية«!! فهل هناك من يلتقط الرسالة؟! ولايزال الحوار متصلا ومستمرا.