ربما .. هي المرة الأولي التي يقدم فيها المسرح المصري عرضا مسرحيا يتناول الرئيس المخلوع مبارك وزوجته ونجليه علاء وجمال بالاسم وبشكل صريح ويحاكمه علي فساد فترة حكمه . العرض اسمه " الديكتاتور" من انتاج المسرح الحديث .. تأليف الكاتب الفرنسي جول رومان واخراج حسام الدين صلاح وبطولة أحمد سلامة وانتصار وفاطمة الكاشف وسعيد طرابيك وحسام فياض وناصر شاهين ونجاح حسن وسهام غنيم ومجموعة من فناني المسرح الحديث . يظهر الفنان سعيد طرابيك في شخصية مبارك وانتصار في شخصية سوزان ثابت بينما لم تظهر شخصيتا علاء وجمال وانما كان الحوار يدور علي خشبة المسرح حولهما . وتبدو هي المرة الأولي التي يتحرر فيها المسرح المصري من الرقابة ليفسح المجال للحوار حول شخصية مبارك وكيف أفسده الذين من حوله وأوصلوا مصر الي حالة الضعف والهوان لتقوم ثورة الشعب في 25 يناير وتسقط النظام ويقدم المخلوع للمحاكمة . النص الأصلي الذي كتبه رومان ينطلق لفرضية أخري وهي أن الثوار قاموا بثورتهم وصعد من بينهم شاب ثوري الي منصب رئيس الوزراء ولكنه تحول الي ديكتاتور وكأنه يريد أن يقول إن الشعب تخلص من ديكتاتور ليحكمه ديكتاتور ! وتبدو مسألة السلطة ماثلة في القسم الاعظم من مسرحيات جول رومان لكنها تصل في تجليها الي الذروة في واحدة من اشهر مسرحياته وهي »الديكتاتور« التي نشرها ومُثلت علي مسرح الشانزيليزيه عام 1926. نعرف طبعاً في أدب القرن العشرين نصوصاً عدة حملت في عنوانها اسم الديكتاتور او تحدثت عنه ولا سيما في أدب أمريكا اللاتينية الذي شغلت هذه القضية جزءاً كبيراً من انتاجه. غير ان المهم لدي جول رومان هو أنه حاول قدر الامكان ان يغوص في عقل الديكتاتور ويصف الكيفية التي يصبح فيها ديكتاتوراً. وفي النهاية حاول ان يقول ان السلطة.. كل سلطة حين تفلت من يد القانون فهي التي تصنع الديكتاتور ولعل جول رومان كان رائداً بالتحديد في هذا الجانب من الحديث عن أن السلطة المطلقة مفسدة . الفعل الحقيقي في المسرحية يبدأ انطلاقاً من اللحظة التي يصبح فيها "دينيس" رئيساً للحكومة ذا صلاحيات واسعة يكفلها له الدستور ودينيس كما تلتقيه منذ البداية هو شخص دستوري يؤمن بالعدالة الاجتماعية وبالمثل العليا. ومن هنا فإن ما سنشهده انما هو الكيفية التي تحول فيها السلطة المطلقة مثل هذا الانسان الي طاغية يمارس حكماً ديكتاتورياً لا هوادة فيه. وينتهي هذا الصراع بالقاء دينيس القبض علي رفيق طفولته ورفيق نضاله "فيريول" المأخوذ بالمثل العليا وتحقيق العدالة والذي كان قد بدأ يتزعم المعارضة ويجمع من حوله المناضلين المشابهين له. قام مصمم الديكور صلاح حافظ بتقديم تصميم لميدان التحرير وقصر الرئاسة مما أتاح للممثلين المزيد من الحركة علي خشبة المسرح وكان ديكوره موفقا الي حد كبير كما استعان المخرج المتميز حسام الدين صلاح بأروكسترا ب 17 عازف كمان وقانون وناي وغناء وتشيللو بقيادة الفنان أحمد رمضان وبالمطرب تامر عاشور الذي قدم غناء حيا أثار اعجاب الجماهير .. كما قدم مصمم الاستعراضات الفنان عماد سعيد عدة استعراضات معبرة عن الحدث الأصلي في العرض وهو ميدان التحرير . لأول مرة يتحرر المسرح من سلطة الرقيب ويقدم حدثا مباشرا عن طغيان السلطة وتسلطها ويقدم بعض رموز النظام السابق ويكشف فسادهم مثل أحمد عز وزكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور.