كان الزعيم الفلسطيني »ياسر عرفات« أول المهاجمين، وأشرس الشتامين، من خلال وصلات تطاوله بالصوت والصورة علي الرئيس المصري الراحل:»أنور السادات« منذ أن قام بزيارته التاريخية لإسرائيل لإلقاء خطابه الشهير أمام نواب الكنيست مروراً علي مبادرته غير المسبوقة، بالدعوة إلي: »سلام عادل، شامل، ودائم« ينهي الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني بصفة خاصة، والصراع العربي/ الإسرائيلي بصفة عامة من خلال مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية وتحت رعاية الولاياتالمتحدة. استمرت شتائم »عرفات« منذ منتصف السبعينيات وحتي السادس من أكتوبر من عام 1981، يوم اغتيال الرئيس السادات بأيدي المتطرفين الإرهابيين. بعد الجريمة بلحظات.. أيقظوا »عرفات« من نومه ل »يزفوا« إليه الخبر الصاعق! في البداية لم يصدق »عرفات« ما سمعه. وعندما تأكد من صحته.. أطلق صيحات الفرح والسرور، وأخذ يرقص ويتغني علي دقات تصفيق يديه قائلاً: مات ال (...)، و (.. ) مات .. هي ألفاظ يستحيل نشرها، ويكفي أنها عبرت أسلم، وأصدق، تعبير عن »هوية«، و »تربية«، و»أخلاق« ناطقها! وسرعان ما غيّر »عرفات« جلده.. كالعادة. فالمناضل الشهير بطريقته الهزلية في رفع إصبعين من يده كالتدليل علي انتصاراته في قارات الدنيا الخمس هو نفسه الذي وافق علي بدء المباحثات السرية مع الإسرائيليين في العاصمة النرويجية:أوسلو، مع بداية تسعينيات القرن الماضي. هكذا تخلّي »أبو عمار« عن اللاءات الثلاثة لا صلح، ولا سلام، ولا مفاوضات مع العدو والمحتل الصهيوني ويعلن ترحيبه ب »اندلاقه« علي الصهاينة، والتفاوض معهم حول مائدة في غرفة أحد المنازل بضاحية نائية من ضواحي »أوسلو«! في البداية حافظ »أشاوس عرفات« علي سرية هذه المباحثات، ونجحوا في إخفائها عن كل ملوك ورؤساء العرب الذين شغلوا أنفسهم وشعوبهم من قبلهم بالقضية الفلسطينية، وحقوق أصحابها في استرداد الأرض المغتصبة، والوطن السليب، والهوية المنسية! وعندما انقشع ستار السرية.. كان رد فعل الحكام العرب متفاوتاً في رفضه، و نقده، وخداعه. وأذكر أنني أجريت آنذاك في دمشق حديثاً صحفياً مع الرئيس السوري الراحل: حافظ الأسد الذي هاجم »عرفات« هجوماً عنيفاً، واتهمه بكل النقائص ، عقاباً له علي خداعه لأخوته زعماء وحكام الدول العربية! فلم يكن يخطر علي بال الرئيس السوري الراحل أن يجري »عرفات« مباحثات مباشرة وسرية مع الإسرائيليين، ولا يجد داعياً لمصارحة الحكام العرب بنيته في التفاوض قبل بدايته! ووصف الرئيس الأسد هذا التصرف ب »الخيانة العرفاتية«. أبواق »عرفات« الإعلامية.. حاولت الدفاع عن موقفه بالإشارة إلي أنه لم »يكن سباقاً في مد يده للإسرائيليين، فقد سبقه في ذلك رئيس أكبر وأقوي دولة عربية.. الذي تفاوض مع الإسرائيليين ووقع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل«. هذا الإدعاء لا يستحق من جانبي رداً، ولا تعليقاً. يكفيني الرد »غير المباشر« عليه، والذي سمعته من الرئيس حافظ الأسد في حديث معه استغرق نحو 5 ساعات أشار فيه إلي أن الرئيس السادات سارع بالمرور علي معظم العواصم العربية، وأحاط حكامها علماً بتفاصيل المبادرة السلمية التي فكر فيها، ولم يبدأ إطلاقها إلاّ بعد سماع آراء الملوك والرؤساء العرب. حقيقة أن كل هؤلاء وأولهم الرئيس السوري: حافظ الأسد رفضوا هذه المبادرة فور سماعها بلسان السادات شخصياً، وحاولوا إقناعه بالعدول عنها أو بتأجيل تنفيذها.. علي الأقل، لكن الرئيس السادات صمم علي طرحها، وكرر علي أسماعهم ما يراه في تحقيقها من مزايا وحقوق للفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم.. إلي جانب استرداد كل الأراضي العربية المحتلة. شتان الفارق، الفاصل، بين »السادات« و »عرفات«.. السادات تعامل مع ملوك ورؤساء العرب بالشفافية الواجبة: سياسياً، وقومياً، وأخلاقياً. رأيناه حريصاً علي مصارحتهم بمبادرته ، عارضاً عليهم مشاركة المفاوض المصري في الجلوس حول مائدة المباحثات المباشرة، مما يعطي للحقوق العربية والفلسطينية ثقلاً، ورسوخاً، أمام المجتمع الدولي. أما »عرفات« فقد فضّل الخداع علي المصارحة. والخيانة علي الشفافية. أسابيع وشهور عديدة.. تباحث الفلسطينيون خلالها مع الصهاينة في العاصمة النرويجية »أوسلو«، وحرص الطرفان علي سرية كل ما يدور، ويقال، داخل غرفة الاجتماعات بناء علي رغبة، وإصرار، »أبو عمار« شخصياً.. مقابل موافقته علي بدء المفاوضات! إبراهيم سعده [email protected]