سبحان مغير الأحوال.. عبارة نطقها المصريون كثيرا خلال عام 2011 الذي أذل الله خلاله مبارك ونظامه، ليودعوا حياة القصور إلي السجون.. ولكنها أول أمس لم تفارق الألسنة والمصريون يحتفلون بالعيد الأول لثورة يناير. جرت هذه العبارة علي الألسنة والمصريون يطالعون قنوات التليفزيون صباحا تنقل نبض ميدان التحرير، والشباب يطالب بإعدام السفاح، الذي كان في مثل هذا اليوم من العام الماضي رئيسا للجمهورية.. ونطقوا بها -أيضا- وهم يشاهدون قيادات المعارضة ضيوفا علي التليفزيون الوطني بعد أن كان محرما عليهم مجرد المرور في شارع ماسبيرو .. ونطقوها وهم يتابعون لقطات من جلسات مجلس الشعب أول أمس والدكتور محمد سعد الكتاتني يجلس فوق المنصة رئيسا للمجلس، بينما رئيسه في مثل هذا اليوم من العام الماضي فتحي سرور يقف خلف القضبان. وما بين هذا المشهد من العام الحالي والعام الماضي قصة كفاح يقف وراءها شعب أراد الحياة، فاستجاب له القدر. كانت تفاصيل المشهد من العام الماضي يغلفها القلق والتوتر، وكان أكثر المتفائلين وقتها يتمني أن يخرج علينا الرئيس المخلوع بخطاب يعد فيه بإجراء إصلاحات سياسية، وبشهادة كثير ممن شاركوا في هذا اليوم قالوا: »لم نكن نتخيل وقتها ان هذه المظاهرات التي خرجت تنادي بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية، ستتحول إلي ثورة، ولكن الله أرادها كذلك«. في هذا اليوم خرج الآلاف ملبين الدعوة التي أطلقت عبر موقعي الفيس بوك وتويتر، حيث قام بالدعوة لها العديد من القوي السياسية غير المحزبة مثل صفحة كلنا خالد سعيد وحركة شباب 6 أبريل وحركة شباب من أجل العدالة والحرية والحركة المصرية من أجل التغيير »كفاية« والجمعية الوطنية للتغيير والحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير، وعمت التظاهرات كامل النطاق الجغرافي في مصر، فاندلعت بالقاهرة »ميدان التحرير« والاسكندرية والسويس والمحلة الكبري »مكمن حركة 6 أبريل«، والاسماعيلية وغيرها من محافظات مصر، وأضحت في مساء اليوم تظاهرات شعبية عارمة، بعد تعامل قوات الأمن بقسوة مع المتظاهرين في ميدان التحرير وتفريقهم باستخدام قنابل الغاز وخراطيم المياه، وسقوط أول شهيد بحي الأربعين بالسويس. لم يكن اسم »ثورة« قد أطلق بعد علي هذه التظاهرات، ولكن وقتها كان يمكن وصفها بأنها مجرد شرارة أشعلت لهيب الثورة المصرية، التي تحولت في يوم جمعة الغضب 82 يناير إلي ثورة شعبية وتردد الشعار الشهير »ثورة ثورة حتي النصر.. ثورة في كل شوارع مصر«. وإذا كانت إرادة الله شاءت ان يكون الشاب محمد بوعزيزي هو مفجر الثورة التونسية، عندما قام بإحراق نفسه احتجاجا علي البطالة وسوء معاملة جهاز الشرطة، فإن الثورة المصرية لم يكن مفجرها هؤلاء الذين قلدوا بوعزيري فيما عرف ب »ظاهرة البوعزيزية«. فقبل ثورة 25 يناير، وتحديدا قبل أسبوع من اندلاعها أحرق محمد فاروق حسن و محمد عاشور سرور وسيد علي »من القاهرة« وأحمد هاشم السيد »من الإسكندرية« أنفسهم، ولكن لم تحرك هذه الحوادث مجتمعة جموع الشعب المصري، التي كانت قد تأهبت ليوم 25 يناير. كان يوم 25 يناير يعني بالنسبة لهم تقديم احتجاج شعبي علي ممارسات جهاز الشرطة الذي يحتفل في مثل هذا اليوم بعيده السنوي، فقد بلغ وقتها السيل الزبي من ممارسات هذا الجهاز، والذي تجسدت وحشيته وقسوته في حادثة الشاب خالد محمد سعيد الذي قُتل في 6 يونيو عام 2010 بعد أن تم تعذيبه حتي الموت علي أيدي اثنين من مخبري قسم شرطة سيدي جابر، ولم يتم البت في قضيته بعد أو إثبات الاتهام بالقتل عليهما حيث جاء تقرير الصفة التشريحية الثاني موافقًا للأول بعدما أمر النائب العام المصري بإعادة تشريح الجثة. وجاءت انتخابات مجلس الشعب بعد هذه الحادثة البشعة لتزيد من بركان الغضب الذي يغلي في الصدور، فقد حصل الحزب الوطني الحاكم فيها بمساعدة جهاز الشرطة علي نسبة 97٪ من مقاعد المجلس، وخلا المجلس وقتها من المعارضة، مما أصاب المواطنين بالإحباط.