إذا ما أردنا القيام بقراءة موضوعية للزيارة التي قام بها الرئيس مبارك إلي ايطاليا، والمباحثات الهامةالتي جرت خلالها، وما أسفرت عنه من نتائج، فلابد أن نبدأها بالإشارة إلي الانطلاقة القوية للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وما تحقق من دفع بالتعاون المشترك ليشمل جميع المجالات الاقتصادية، والاستثمارية، والتكنولوجية، من خلال عدد كبير من الاتفاقيات التي تم توقيعها، بما يمثل نقلة نوعية في مستوي العلاقات، وانعكاساتها علي صالح الشعبين والدولتين. ولعلنا لا نبالغ علي الاطلاق إذا ما قلنا إن العلاقات المصرية الايطالية اصبحت في تميزها وقوتها نمطا رفيعا وجيدا لما يمكن أن تصل اليه علاقات التعاون والصداقة بين دول وشعوب العالم. وفي هذا الاطار لابد أن نشير أيضا إلي تلك الحفاوة والترحيب الشديدين اللذين استقبل بهما الرئيس مبارك خلال الزيارة، والحرص الشديد من جانب بيرلسكوني علي التعبير عن ذلك بقوة ووضوح خلال اللقاء والمحادثات وخلال المؤتمر الصحفي المشترك، وإشادته الفائقة بالرئيس مبارك وحكمته البالغة ودوره الكبير في تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة، ومعالجته العاقلة والمتزنة لكافة القضايا والمشاكل. ولقد كان رئيس الوزراء الايطالي حريصا علي إبداء سعادته لكون ايطاليا هي الدولة الاولي التي استقبلت الرئيس مبارك فور استئنافه لنشاطه وعمله المكثف واتصالاته المستمرة مع قادة العالم. وكان بالغ السعادة وهو يؤكد علي التعاون الشامل مع مصر في كل المجالات، ويعلن للصحفيين إن هناك اكثر من »006« ستمائة شركة ايطالية تعمل في مصر في اوجه عديدة من الاستثمارات، وان ايطاليا اصبحت هي الشريك التجاري الأول لمصر علي المستوي الاوروبي،..، وأن التعاون في مجالات النقل والبريد، والطاقة، والزراعة، والتجارة، والتدريب، والصناعة، والمشروعات الصغيرة، والنقل البحري، وغيرها سيشهد دفعة قوية وانطلاقة نشطة خلال الأيام والشهور القادمة،..، وأن الجامعة الايطالية المصرية سيجري الاسراع في إقامتها وبدء نشاطها خلال فترة وجيزة، كي تقوم بدورها علي الوجه الأكمل في التدريب والتعليم الفني المتخصص. وكان بيرلسكوني حريصا علي تأكيد التوافق الكامل بين الموقفين المصري والايطالي تجاه القضايا الاقليمية والدولية، وأنه يقدر دور مصر الهام والمتزن تجاه هذه القضايا، وانه شديد الاهتمام بالتشاور مع الرئيس مبارك في هذه القضايا، والاستفادة من حكمة الرئيس ونظرته الصائبة، ورؤيته الصحيحة للامور، وانه لذلك كان حريصا علي دعوة الرئيس مبارك ومشاركته في قمة مجموعة الثمانية »G 8« للاستفادة من تجربته ورؤيته. كما كان بيرلسكوني محددا وواضحا وهو يؤكد انه يتفق مع الرئيس مبارك في رؤيته الخاصة بضرورة إحلال السلام في الشرق الأوسط، والوصول إلي حل للقضية الفلسطينية يحقق الامن والسلام في المنطقة الأكثر اضطرابا في العالم. وكان محددا وواضحا ايضا وهو يؤكد وقوفه إلي جانب مصر في موقفها تجاه قضية مياه النيل، وحقوقها التاريخية والقانونية في حصتها من المياه، وانه ابلغ هذا الموقف الواضح لاثيوبيا وغيرها من دول الحوض. وفي إطار القراءة الموضوعية للزيارة وما حققته من نتائج،..، وإذا ما أردنا إلقاء المزيد من الضوء علي ما اصبحت عليه العلاقات المصرية الايطالية، ومدي الصداقة والود الذي يربط البلدين، وقادة الدولتين، لابد أن يستوقفنا، ويشد انتباهنا، ما قاله بيرلسكوني في اطار اجابته علي سؤال لأحد الصحفيين الايطاليين حول مغزي وفائدة التعاون المكثف مع مصر، والاتفاقيات الموقعة في ظل الازمة الاقتصادية المالية العالمية. قال بيرلسكوني، -ولكلامه مغزي كبير، يجب ان يكون واضحا- »إن مصر استطاعت ان تتفادي التأثير الشديد للازمة العالمية، واستطاعت ان تحقق معدل نمو ايجابيا وجيدا خلال عام 9002 وصل إلي 5.4٪، وأن المؤسسات الدولية تتوقع ان يزيد معدل النمو في مصر خلال هذا العام إلي 6٪، وهذا يدل علي ان الاقتصاد المصري قوي وثابت«. ثم قال: »وعلينا ان نعرف ان مصر بلد كبير فيه 08 مليون نسمة، ومساحته ثلاثة اضعاف مساحة ايطاليا، والتعاون مع مصر في صالح الشعبين، وفي صالحنا وصالحهم، ونحن نعمل علي فتح المزيد من الاسواق لنا في الشرق الأوسط، ونسعي أيضا لاستقبال الصادرات المصرية الينا وإلي اوروبا، وهذا يؤدي للمنفعة المتبادلة، وانعاش الاقتصاد«. ثم توجه بيرلسكوني للرئيس مبارك، قائلا: »سيادة الرئيس نحن لدينا تكنولوجيا متقدمة، في كل المجالات، والصناعة الايطالية والمنتجات الايطالية متميزة وجيدة، ونحن نتوسع في التواجد بالاسواق العالمية، ونحن أيضا سنكون ممرا للمنتجات المصرية إلي اوروبا، وهذا سيؤثر بالقطع في انعاش اقتصادنا، واقتصادكم«. ثم التفت بيرلسكوني إلي الصحفي الايطالي بعد ذلك مؤكدا: »هذا هو هدفنا، وهو في صالح الاقتصاد الايطالي، والشركات الايطالية وفي صالح مصر ايضا«. انتهي كلام بيرلسكوني، وتلك كانت شهادته عن مصر، وتقييمه لأوضاعها الاقتصادية، ونظرته لثقلها ووزنها علي الساحة الاقليمية والدولية، وتقديره لدورها، وحكمة رئيسها، وما يمثله من ثقل ووزن علي هذه الساحات، وما يقوم به من دور مؤثر في استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة بالغة الاضطراب والتعقيد،..، ولقد كانت هذه الشهادة امام صحافة العالم، وعلي مسمع ومرأي من الجميع في المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقد في ختام مباحثات القمة في روما بعد ظهر أمس الأول.
وفي نفس المؤتمر، وأمام صحافة وأجهزة الاعلام العالمية، كان هناك تحذيران قويان لابد من التوقف امامهما، والتنبه لهما بكل الاهتمام الواجب،...، التحذير الاول كان مصدره الرئيس مبارك، في اطار اجابته علي سؤال حول القضية الفلسطينية، وعملية السلام في الشرق الأوسط، في ضوء عمليات الالتفاف والتراجع والتهرب من جانب اسرائيل. وفي هذا حذر الرئيس مبارك بوضوح من ان عدم التوصل إلي سلام عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يهدد المنطقة والعالم كله بموجة خطيرة من الارهاب وعدم الاستقرار. وقال الرئيس مبارك: »لقد سبق لرئيس وزراء اسرائيل ان ابلغه بأنه مستعد إذا ما استؤنفت المفاوضات ان يبدأ بالتفاوض حول موضوعات الحل النهائي، وان يبحث الحدود النهائية للدولة الفلسطينية أو الحدود المؤقتة،..، وقال الرئيس لقد ابلغته انه لا يوجد أحد يمكن ان يقبل بحدود مؤقتة للدولة الفلسطينية، وانه لابد من الحدود الدائمة، ولابد من حل الدولتين. وأضاف الرئيس مبارك قائلا: ان نتنياهو تراجع الآن عن بحث موضوعات الحل النهائي، ويريد الآن بحث موضوعات البيئة والجو، وهذا غير مقبول من الولاياتالمتحدة، ومرفوض منا ومن غيرنا،..، وأكد الرئيس انه لابد ان نضع حدا فاصلا وننتهي من هذه القضية ونصل إلي حل عادل وشامل لها، حيث إنها اخذت منا ستين عاما، ولا يمكن أن تأخذ ستين عاما اخري. وحذر الرئيس بقوة من ان عدم حل القضية الفلسطينية سيزيد الارهاب في العالم والمنطقة، وليس من مصلحة احد ما تقوم به اسرائيل الآن من المماطلة.
أما التحذير الثاني فقد كان مصدره رئيس الوزراء الايطالي بيرلسكوني، وجاء في اطار اجابته علي سؤال حول القضايا الدولية التي تم بحثها مع الرئيس مبارك، حيث قال: لقد بحثنا القضية الفلسطينية وعملية السلام، وانا مع الرئيس مبارك في ضرورة التوصل للسلام،..، والضغط علي الجانبين للتوصل إلي ذلك. ثم ذكر بيرلسكوني ردا علي سؤال حول رؤيته للملف الايراني، في ظل ما تم التوصل اليه بين ايران وتركيا والبرازيل، وهل هو اتفاق جدي ام حيلة من جانب ايران لتجنب العقوبات. وأجاب بيرلسكوني: يجب ان يكون واضحا اننا نسعي لتجنب وصول ايران إلي انتاج السلاح النووي،..، ومن الممكن ان يكون الاتفاق حيلة من جانب ايران، ولكن اتمني ان يكون الامر غير ذلك، ولكن يجب ان تقوم ايران بالتوقيع علي الاتفاق الذي تراه الوكالة الدولية. ثم اطلق بيرلسكوني تحذيره الواضح، حيث اكد انه مالم تتراجع ايران عن سعيها لحيازة السلاح النووي فإن ذلك سيكون خطيرا، لأن اسرائيل لن تسمح ابدا بأن يحدث ذلك، ونتمني أن تغير ايران هذا التوجه. واعتقد ان ذلك القول من رئيس الوزراء الايطالي واضح ولا يحتاج إلي أي اضافة.
بقي ان نقول في إطار قراءتنا للزيارة وما اسفرت عنه من نتائج، ان الشفافية والوضوح كانتا هما السمتان السائدتان خلال المباحثات، وان الرئيس مبارك كان كعهده دائما مباشرا وصريحا ومحددا في تناوله لجميع الموضوعات، والقضايا، وفي توضيحه لوجهة نظره، وفي رده أيضا علي اسئلة الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي. وكان الرئيس كعادته علي سجيته، يرد بتلقائية وبساطة علي كل الاسئلة، ولهذا كان متحمسا وهو يؤكد علي اهمية الانطلاقة القوية للعلاقات الاستراتيجية مع ايطاليا، واهمية وفائدة التعاون الشامل معها في جميع المجالات،..، وكان واضحا وقويا في تحذيره من مخاطر عدم التوصل إلي حل عادل للقضية الفلسطينية،..، وكان بسيطا وتلقائيا في رده علي سؤال حول من يحكم مصر بعده، عندما قال ان ما يقدره الله سيكون، وهو رد مصري تلقائي وصميم. وكان الرئيس قد تناول خلال حديثه مع بيرلسكوني قبل دخولهما إلي المؤتمر الصحفي تلك المسألة في معرض الحديث بينهما عن التطورات في ايطاليا بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، وكذلك التطورات في مصر في ضوء ما تموج به المنطقة من أحداث، وسؤال بيرلسكوني للرئيس حول مخاطر الارهاب الذي تتعرض له منطقة الشرق الأوسط والعالم. وهنا كان الرئيس حريصا علي ان يوضح لبيرلسكوني، ان مصر واعية لخطر الارهاب، وانها بحمد الله لا تتعرض الان لهجمة شرسة مثل التي تعرضت لها في بداية التسعينات ولكنها تتخوف من الخلايا النائمة للإرهاب، وضرب في ذلك مثلا بقضية حزب الله الأخيرة، والاحكام التي صدرت فيها، وان ذلك اضطرنا إلي مد العمل بقانون الطواريء مع قصره علي مواجهة مخاطر الارهاب والمخدرات فقط. وفي ذلك أكد الرئيس انه لا يمكن ان يسمح بتعريض مصر لمخاطر الارهاب وتهديداته، مثلما يحدث في بلاد أخري.
وفي هذا السياق أيضا قال الرئيس لبيرلسكوني أما ما يثار في بعض الدوائر بشأن انتقال السلطة في مصر فإن هذه المسألة محددة وواضحة، حيث إن لدينا مؤسسات شرعية، والدستور المصري يكفل انتقال السلطة ويحدد ذلك بوضوح، دون التأثير علي الاستقرار، وأن هناك انتخابات، والحكم سيكون للشعب ومن سيختاره الشعب من بين المرشحين هو من يتولي المسئولية،..، وإن كلمة الشعب هي الفيصل.