يري الكاتب الفلسطيني عيسي القدومي رئيس تحرير مجلة بيت المقدس، والمتخصص في الصراع العربي الصهيوني والدراسات المتعلقة في القدس والمسجد الأقصي أن تيار اليهود الأرثوذكس هو الأكبر بين التيارات اليهودية في العالم والأوسع انتشارا. فهو يضم في صفوفه الجماعات المتدينة الوطنية اليهودية والجماعات الأكثر تزمتا وتشددا بما له علاقة بأصول الديانة اليهودية. وفي مقدمة هؤلاء "الحريديم" أي المتشددين دينيا واجتماعيا وسلوكيا وينادون بالتمسك الشديد بكافة أصول الديانة اليهودية، كما هو وارد في التوراة منذ بداية اليهودية وحتي أيامنا المعاصرة، والتعامل مع الشريعة اليهودية كمركز ونهج حياة الشعب اليهودي: جماعة، وأفراداً. ويركز الكاتب عيسي القدومي في بحثه المهم علي أبرز الخلافات بين اليهودية والأرثوذكسية خاصة الجماعات المتشددة مثل "نتوري كارتا" التي لا تعترف ولا توافق علي وجود دولة تجمع اليهود وفق أسس غير دينية، أو وفق أسس سياسية لا تتناسب مع الرؤية الدينية السياسية للتيارات الدينية الأرثوذكسية المتشددة والمتزمتة. وبالرغم من تمسك اليهودية الأرثوذكسية بأسس وأصول الدين اليهودي وشرائعه وعاداته وتقاليده إلا أنها الأكثر تأثيراً علي عدد كبير من مناهج حياة المجتمعات اليهودية، سواء المتدينة منها أو نصف المتدينة أو العلمانية. فاليهودية الأرثوذكسية تعتمد في عقيدتها وفكرها علي التوراة بشكل عام وعلي التلمود بشكل خاص. وتعتمد أيضاً علي أقوال، وفتاوي، حاخامات الأرثوذكس وما أكثرهم في تسيير الحياة الدينية لليهود. وأتوقف عند صفحات تالية يحدثنا فيها الكاتب عيسي القدومي عن نماذج من آراء، ومعتقدات، وفتاوي، التيار الديني الذي يري أن الدولة الإسرائيلية قامت علي خلاف إرادة الله، وأن تجميع اليهود وإقامة دولة لهم هو تعجيل لنهايتهم. ويمكن تلخيص هذا كله في ثلاث شهادات تحقق الكاتب منها ونقلها إلي بحثه. الشهادة الأولي: أجري "نيل كافوتو" محطة التليفزيون الأمريكية "فوكس نيوز" مقابلة تحت عنوان: "وشهد شاهد من أهلها" مع الحاخام اليهودي "يسرول ويس" من جماعة اليهود المتحدين ضد الصهيونية وهي المقابلة التي حظيت باهتمام عالمي غير مسبوق، كما أثارت جدلا وسجالا واسعاً. فأقوال الحاخام سفهت كما كتب عيسي القدومي [تلك الكذبة الشيطانية التي خدعت ذوي النيات الحسنة حول العالم، وأقنعتهم بدعم هذا الشيء الشرير والبغيض الذي يسمي الدولة اليهودية]. يقول الحاخام اليهودي يسرول ويس: [إن إسرائيل أفسدت كل شيء علي الناس جميعا اليهود منهم وغير اليهود. هذه وجهة نظر متفق عليها عبر المائة سنة الماضية، أي منذ أن قامت الحركة الصهيونية بخلق مفهوم أو فكرة تحويل اليهودية من ديانة روحية إلي شيء مادي ذي هدف قومي، للحصول علي قطعة أرض]. ويضيف الحاخام مؤكداً: [إن هذا الأمر يتناقض مع ما تدعو إليه اليهودية، وهو أمر محرم قطعا في التوراة.. لأننا منفيون بأمر من الله]. وعندما سأل المحاور التليفزيوني الأمريكي ضيفه الحاخام اليهودي: ما المانع في أن يكون لكم بلد تنتمون إليه؟ وما المانع في أن تكون لكم حكومة؟ أجاب قاطعاً: [ يجب ألا تكون لنا دولة. يجب أن نعيش بين جميع الأمم كما ظل يفعل اليهود منذ أكثر من ألفي عام كمواطنين يعبدون الله]. وأضاف الحاخام "يسرول ويس" موضحاً: [علي العكس مما يعتقد الناس فإن هذه الحرب الدائرة مع الفلسطينيين خاصة أو مع العرب عامة ليست دينية. فقد كنا نعيش بين المجتمعات المسلمة والعربية دون أن تكون هنالك أي مشاكل، ودون حاجة إلي رقابة منظمات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان].