لا يمكن أن نذكر الهناجر بدون هدي وصفي .. المركز أو المسرح فهما جزء من حياة هذه السيدة التي درست الأدب الفرنسي ثم قامت وما تزال بتدريسه لطلابها في الجامعة ولم يمنعها انشغالها في إدارة مركز الهناجر للفنون الذي استطاعت خلال سنوات بسيطة أن تجعله قبلة المسرحيين ومحط أنظار المثقفين ومعرضا للتشكيليين.. في سنوات قليلة قفز اسم الهناجر ليحتل رقما مهما في الحياة الثقافية وقد شهدت بنفسي إقبال النجوم علي مسرح الهناجر ليعتلوا خشبته رغم الأجر الرمزي الذي يحصلون عليه في حين كانوا يرفضون مسارح أخري رغم المقابل المادي الكبير .. كانوا يؤمنون بتجربة هدي وصفي الناجحة ونوعية الجمهور الذي يقبل علي مشاهدة عروض الهناجر وجيل جديد في تيار الحركة المسرحية يحرص علي وجوده في الهناجر .. أذكر يوم قدم الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة تجربة مسرحية بعنوان " قمر 14" أخرجها المتميز محمد عمر .. في الافتتاح قال لي وأنا أهنئه علي العرض انه اختار الهناجر تحديدا لأنه يراه مختلفا عن الآخرين رغم انه لم يحصل علي أجره المعتاد في المسرح لكنه انحاز لهدي وصفي والمكان .. صنع الهناجر جمهورا مختلفا وأضاء سماء الأوبرا وفي وقت من الأوقات شكل مع مركز الإبداع الفني الذي يرأسه خالد جلال دويتو مسرحيا يتنافسان بشرف فكل منهما تجربة مسرحية من النوع الفاخر في الحركة المسرحية المصرية . قدمت هدي وصفي الكثير للهناجر والمسرح القومي الذي يفخر بأعمالها المسرحية التي أضحت من عروض " الربيتوار" في المسرح المصري .. ومهما تختلف مع هدي وصفي فلا يمكن أن تخاصمها أو تأخذ منها موقفا لأنها ببساطة مثل الأطفال .. تنفعل بسرعة وتفرح بسرعة وربما هذا هو عيبها الوحيد .. إنها شديدة الحساسية .. عندما حصل أحد المخرجين علي جائزة في مهرجان دولي عن عرض من إنتاجها حزنت بشدة لأن المخرج لم يأت علي ذكرها عندما تحدث للتليفزيون وكلمتني بمرارة تشكرني لأنني تكلمت عن حرصها علي تقديم هذا العرض وقلت لها وقتها أنها يكفيها أن تكون نافذة للمسرحيين الشبان وألا تتراجع عن موقفها لمجرد أن واحدا منهم لم يرد لها المعروف . ظل المركز منذ افتتاحه عام 1992 يعمل في خدمة رؤية متكاملة للفنون حيث المزاوجة بين المسرح والسينما والفن التشكيلي والموسيقي والندوات كانت من شأنها أن تخلق مزاجا عاما لقي قبولا لدي شريحة كبيرة من شباب التسعينات كما قالت في الافتتاح وشكل تيارا فنيا ساهم في الحفاظ علي كثير من القيم الثقافية الرفيعة في وقت كان الاهتمام يتراجع في المدارس خاصة افتقاد النشء للمسرح المدرسي الذي كان أحدي دعامات التعليم في الماضي ، وقد مر المركز بلحظات توهج ولحظات قلق ولكنه أستطاع أن يحفر لنفسه مكانا ليس فقط في مصر أو في البلدان العربية ولكن أيضا في البلدان الأوروبية ، توجت باعتراف اليونسكو بأنه أفضل مركز علي ضفاف المتوسط لعام 2000. أخر أمنيات هدي وصفي أن يستطيع المركز ممارسة نشاطه بشكل لائق في جو من الحرية وأن يكون منارة ثقافية كما كان دائما وأن تُفهم رسالته وألا تفسر بشكل بعيد تماما عن الحقيقة لأن المركز اهتم بتقديم مسرح يحترم عقلية المشاهد ويشتبك مع قضايا الوطن ولم يغير سياسته أبدا . من جانبي أرجو أن يواصل الهناجر رسالته في خدمة الحركة الثقافية وأن يكرم هدي وصفي بإطلاق اسمها علي قاعة المسرح أو معرض الفنون التشكيلية ردا لجميلها عليه.