البحث الذي كتبه اثنان من قيادات الجماعة الإسلامية، وراجعه ستة آخرون خلال سجنهم في فترة التسعينيات تحت عنوان: »النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين« لا ينكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفريضة إسلامية، لكنه في الوقت نفسه اهتم بالكشف عن العديد من المخالفات والأخطاء وما أكثر فظائعها التي يقوم بها البعض من الآمرين الناهين. بالنسبة لاعتراض سبيل الفنانين وفرقهم أثناء عودتهم من الحفلات والأفراح، وتحطيم ما معهم من آلات موسيقية، والاعتداء عليهم وضربهم ضرباً مبرحاً عقاباً لهم علي منكر فعلوه كما يزعمون، قرأت في بحث الجماعة الإسلامية الذي نشرته الزميلة اليوم السابع منذ أيام تحليلاً اعتراضياً علي هذا الأسلوب جاء فيه: الحسبة لا تكون إلاّ في منكر قائم. أما بعد زوال المنكر هذا لو تيقنا حتي أنه كان هناك منكر فإنه ليس علي المحتسب حسبة بعد زواله. كما أن الضرب بعد زوال المنكر من التعزير لا من الحسبة، والتعزير من العقوبات الشرعية، وليس للمحتسب أن يفعله، وإنما يفعل ذلك القاضي، وبعد التحقيق والحكم. ويضيف البحث قائلاً: إن آلات اللهو، وإن كان أكثر الفقهاء يعتبرونها ليست من المال المتقوم، إلا أن ذلك لا يعني ضرب حامليها دون مسوغ شرعي لمجرد حملهم لهذه الآلات. كما أن الضرب المبرح غير مشروع لا في تغيير المنكر القائم ولا غيره، إذ إن الضرب في تغيير المنكر، ضرب ضرورة له شروط دقيقة، أما الضرب المبرح فغير مشروع. وينتهي رأي الباحثين المحققين المحللين بالنسبة للاعتداء علي الفنانين إلي إنه لا يجوز ترصد أصحاب المنكرات والتلصص والتجسس لضبطهم، بل الاحتساب يكون في المنكر الظاهر القائم. فهمت مما قرأته في تلك الدراسة أن من كتبها، ومن راجعها، يشجعون علي قيام البعض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط يجب توافرها عند محاسبة الآخرين علي أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم. فعندما يستوثق أحدهم من فعل المنكر بالموسيقي أو الرقص فعليه أن يوقفه فوراً وليس بعد الانتهاء منه، وبالتالي فالتعرض للفنانين بالضرب بعد عودتهم من الحفلات والأفراح والمناسبات العامة لا يجوز بعد زوال المنكر. وليس معني ذلك أن يترك أصحابه لحال سبيلهم بدون عقاب (..) وإنما يتم تحويلهم إلي القاضي بافتراض وجود محكمة قضائية خاصة تفصل في القضايا التي تحال إليها من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعاقبهم أو يبرئهم طبقاً للشريعة. وإذا كان البحث قد أوضح عدم شرعية الضرب المبرح للفنانين وفرقهم عقاباً علي المنكر القائم الذي ارتكبوه أو حتي بعد الانتهاء من ارتكابه، فإنه أي البحث الذي كتبه علماء الجماعة الإسلامية قد اهتم في الوقت نفسه بتوضيح الفارق بين ضرب مبرح وضرب غير مبرح. فالضرب المبرح غير مشروع، أما الضرب غير المبرح لتغيير المنكر فله شروط شرعية دقيقة يجب توافرها. وفي محاولة يائسة لطمأنة سكان مصر وزوارها، أتحفنا كتاب البحث ومراجعوه بتأكيدهم علي عدم جواز قيام عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بترصد أصحاب المنكرات، والتلصص والتجسس لضبطهم، لأن الاحتساب يكون فقط في المنكر الظاهر والقائم (..). ولا أعتقد أن المجتمع المصري يمكن أن يضع »في بطنه بطيخة صيفي« كما يقول المثل الشعبي الشهير بهذا التحذير الذي يمنع التجسس، والترصد، والتلصص، علي من سموهم ب »أصحاب المنكرات« ، لكنه يؤيد في الوقت نفسه الدعوة إلي قيام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل السلطات الشرعية التي تحظي بها، وبمعظم الأساليب لا كلها التي يفزعنا مجرد الإشارة إليها. .. وللحديث بقية.